للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الولاية الكوفة وسوادها فِي زمن السفاح، فكان يكرمه ويجلسه عَنْ يمينه والمهدي عَنْ يساره، إِلَى أن عزم المنصور عَلَى تقديم المهدي فِي الخلافة عليه، فلما عزم عَلَى ذلك كلم عيسى بْن موسى فِي ذلك برقيق من الكلام. فَقَالَ عيسى: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فكيف بالأيمان والمواثيق الَّتِي علي وعلى المسلمين فِي العتق والطلاق وغير ذلك، ليس إِلَى ذلك سبيل، فلما رأى امتناعه تغير لَهُ [١] وباعده بعض التباعد، وأمر بالإذن للمهدي قبله، فكان يدخل فيجلس فِي مجلس عيسى، ثُمَّ يؤذن لعيسى فيدخل فيجلس دون ٥٠/ ب المهدي عَنْ يمين المنصور/ أيضا، ولا يجلس عَنْ يساره فيغتاظ من ذلك المنصور، ويبلغ منه، فكان يأمر بالإذن للمهدي، ثُمَّ لعيسى بْن عَلِيّ، ثُمَّ عَبْد الصَّمَدِ بْن عَلِيّ، ثُمَّ عيسى بْن موسى.

ثُمَّ صار الأمر إِلَى أوحش من ذلك بأن كَانَ يكون فِي المجلس فيسمع الحفر فِي أصل الحائط، فيخاف أن يخر عليه الحائط، وينتثر عليه التراب، وينظر إِلَى الخشبة من سقف المجلس قَدْ حفر عند طرفيها لتقلع فيسقط التراب عَلَى قلنسوته وثيابه، فيأمر من معه من ولده بالتحول، ويقوم هو فيصلي، ويأتيه الإذن فيدخل عَلَى حالته والتراب عليه.

وقيل: إنه دس لعيسى بعض مَا يتلفه، ونهض وخرج، فَقَالَ لَهُ بختيشوع: مَا أجترئ عَلَى معالجتك بالحضرة، فاستأذن فِي الكوفة، فأذن لَهُ، وبلغت العلة من عيسى كل مبلغ حَتَّى تمعط شعره [٢] .

وقد اختلفوا فِي نزول عيسى عَنِ الخلافة للمهدي عَلَى خمسة أقوال:

أحدها: أنه قيل للمنصور: إنما يحب عيسى الخلافة لولده، فلو أوهمته قتله لنزل عَنِ الخلافة فأخذ ولده بحضرته وَقَالَ للربيع: اختقه فلف [٣] حمائل سيفه عَلَى حلقه توهم أنه يخنقه. فلما رأى عيسى الجد قَالَ: أشهدك أن نسائي طوالق ومماليكي أحرار، وكل مَا أملك في سبيل اللَّه، وَهَذِهِ يدي بالبيعة للمهدي.

والثاني: أن الجند كانوا يؤذون عيسى إذا ركب ويسبونه، فشكاهم إلى المنصور، فقال إنهم قَدْ أشربوا حب هَذَا الفتى، فبايع حينئذ للمهدي.


[١] في الطبري: «تغير لونه» .
[٢] انظر: تاريخ الطبري ٨/ ٩- ١١.
[٣] «فلف» ساقطة من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>