للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ رِبِّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ رَبَّنَا مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادِتَكَ. فَبَكَى ذُو الْقَرْنَيْنِ بُكَاءً شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَفَائِيلُ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ أَعِيشَ فَأَبْلُغُ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّي حَقَّ طاعته. فقال رفائيل: أو تحبّ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ للَّه عَيْنَا فِي الأَرْضِ تُسَمَّى عَيْنُ الْحَيَاةِ فِيهَا عَزِيمَةٌ أَنَّهُ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا شَرْبَةً إِنَّهُ لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ الْمَوْتَ. قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: فَهَلْ تَعْلَمُونَ أَنْتُمْ مَوْضِعَ تِلْكَ الْعَيْنِ، فَقَالَ رَفَائِيلُ: لا، غَيْرُ أَنَّنَا نَتَحَدَّثُ فِي السَّمَاءِ أَنَّ للَّه فِي الأَرْضِ ظُلْمَةٌ لا يَطَؤُهَا إِنْسٌ وَلا جَانٌّ، فَنَحْنُ نَظُنُّ أَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ هِيَ الَّتِي فِي تِلْكَ الظُّلْمَةِ، فَجَمَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ حُكَمَاءَ أَهْلِ الأَرْضِ، وَأَهْلِ دِرَاسَةِ الْكُتُبِ وَآَثَارِ النُّبُوَّةِ، وَقَالَ: أَخْبِرُونِي هَلْ وَجَدْتُمْ فِيمَا قَرَأْتُمْ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَمَا جَاءَكُمْ مِنْ أَحَادِيثَ الأَنْبِيَاءِ، وَحَدِيثِ مِنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ فِي الأَرْضِ عَيْنًا سَمَّاهُ عَيْنَ الْحَياةِ؟ فَقَالَتِ الْعُلَمَاءُ: لا، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: فَهَلْ وَجَدْتُمْ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ فِي الأَرْضِ ظُلْمَةً لا يَطَؤُهَا إِنْسٌ وَلا جَانٌّ؟ قَالُوا: لا، فَقَالَ عَالِمٌ [مِنَ] [١] الْعُلَمَاءِ وَاسْمُهُ أَفْشَنْجِيرُ:

أَيُّهَا الْمَلِكُ لِمَ تَسْأَلُ عَنْ هَذَا؟ فَأَخْبَرَهُ بالحَدِيثِ وَمَا قَالَ لَهُ رَفَائِيلُ فِي الْعَيْنِ وَالظُّلْمَةِ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنِّي قَرَأْتُ وَصِيَّةَ آَدَمَ فَوَجَدْتُ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ فِي الأرض ظلمة لا يطؤها إنس ولا جان، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: فَأَيُّ أَرْضٍ وَجَدْتَهَا فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: وَجَدْتَهَا عَلَى قَرْنِ الشَّمْسِ.

فَبَعَثَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فِي الأَرْضِ فَحُشِرَ النَّاسُ إِلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَالأَشْرَافُ وَالْمُلُوكُ، ثُمَّ سَارَ يَطْلُبُ مَطْلعَ الشَّمْسِ، فَسَارَ إِلَى أَنْ بَلَغَ طَرَفَ الظُّلْمَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، فَإِذَا الظُّلْمَةُ لَيْسَتْ بِلَيْلٍ وَظُلْمَةٌ تَفُورُ مِثْلَ الدُّخَانِ، فَعَسْكَرَ ثُمَّ جَمَعَ عُلَمَاءَ عَسْكَرِهِ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْلُكَ هَذِهِ الظُّلْمَةَ، فَقَالَتِ الْعُلَمَاءُ: أَيُّهَا الْمَلِك، إِنَّهُ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَنْبِياءِ لَمْ يَطْلُبُوا هَذِهِ الظُّلْمَةَ فَلا تَطْلُبْهَا، فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَتَّفِقَ عَلَيْكَ مِنْهَا [أَمْرٌ] [٢] تَكْرَهُهُ، وَيَكُونُ فِيهَا فَسَادُ الأَرْضِ، فَقَالَ: مَا بُدٌّ مِنْ أَنْ أَسْلُكَهَا، فَخَرَّتِ الْعُلَمَاءُ سُجَّدًا، وَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ كُفَّ عَنْ هَذِهِ الظُّلْمَةِ وَلا تَطْلُبْهَا فَإِنَّا لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ إِنْ طَلَبْتَهَا ظَفَرَتَ بِمَا تُرِيدُ وَلَكِنَا نَخَافُ الْعتبَ مِنَ اللَّهِ، وَيَتَّفِقُ عَلَيْكَ أَمْرٌ يَكُونُ فِيهِ فَسَادُ الأَرْضِ وَمَا عَلَيْهَا، فَقَالَ: مَا بُدٌّ مِنْ أَنْ أَسْلُكَهَا، فقالت العلماء: شأنك بها، فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: أَيُّ الدَّوَابِ بِاللَّيْلِ أَبْصَرُ؟


[١] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل وأوردناها من المرآة ١/ ٣٣٠.
[٢] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>