للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رعيته فقام خطيبا فوبخ رعيته- ويقال: هِيَ أول خطبة سمعت من خطيب- وَقَالَ [١] :

إِنَّمَا النَّاس ناس مَا دفعوا العدو عَنْهُم، وَقَدْ نالت الترك من أطرفكم، وليس ذَلِكَ إلا من ترككم جهاد عدوكم، وقلة المبالاة، وإن اللَّه أعطانا هَذَا الْمَلِك ليبلونا أنشكر فيزيدنا أم نكفر فيعاقبنا، فَإِذَا كَانَ غدا فاحضروا.

وأرسل إِلَى أشراف الأساورة فدعاهم وأدخل الرؤساء، ودعى موبذ موبذان، فأقعد عَلَى كرسي مِمَّا يلي سريره، ثُمَّ قام عَلَى سريره، فقام أشراف أَهْل مملكته، فَقَالَ:

اجلسوا فإني إِنَّمَا قمت لأسمعكم كلامي، فجلسوا، فَقَالَ: أيها النَّاس، إِنَّمَا الخلق للخالق، والشكر للمنعم، والتسليم للقادر، ولا بد مِمَّا هُوَ كائن، وَإِنَّهُ لا أضعف من مخلوق طالبا كَانَ أَوْ مطلوبا، ولا أقوى من خالق، ولا أقدر مِمَّن طلبته فِي يده، ولا أعجز مِمَّن هُوَ فِي يد طالبه، وإن التفكر نور، والغفلة ظلمة، والجهالة ضلالة، وَقَدْ ورد الأَوَّل ولا بد للآخر من اللحوق بالأول، وَقَدْ مضت قبلنا أصول نحن فروعها، فَمَا بقاء فرع بَعْد ذهاب أصله! وإن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أعطانا هَذَا الْمَلِك فله الحمد، ونسأله إلهام الرشد والصدق واليقين، وإن للملك عَلَى أَهْل مملكته [حقا، ولأهل مملكته عَلَيْهِ حقا، فحق الْمَلِك على أهل المملكة] [٢] أن يطيعوه ويناصحوه ويقاتلوا عدوه، وحقهم عَلَى الْمَلِك أَن يعطيهم أرزاقهم في أوقاتها، إذ لا معتمد لهم على غيرها و [أنها تجارتهم، وحق الرعية عَلَى الْمَلِك] [٣] أَن ينظر لَهُمْ، ويرفق بهم، ولا يحملهم مَا لا يطيقون، وإن أصابتهم مصيبة تنقص من ثمارهم من آفة من السماء أَوِ الأَرْض أَن يسقط عَنْهُم خراج مَا نقص، وإن اجتاحتهم مصيبة أَن يعوضهم مَا يقويهم عَلَى عمارتها، ثم يأخذ مِنْهُم بَعْد ذَلِكَ عَلَى قدر مَا لا يجحف بهم، والجند للملك بمنزلة جناحي الطائر، فَمَتَى قص من الجناح ريشه كَانَ ذَلِكَ نقصانا منه، فَكَذَلِكَ الْمَلِك إِنَّمَا هُوَ بجناحه وريشه.

ألا وإن الْمَلِك ينبغي أَن يَكُون فِيهِ ثَلاث خصال: أولها أَن يَكُون صدوقا لا يكذب، وأن يَكُون سخيا لا يبخل، وأن يملك نَفْسه عِنْدَ الغضب، فَإِنَّهُ مسلط ويده


[١] الخطبة في تاريخ الطبري ١/ ٣٨٠، وغرر السير ٦٦، ومرآة الزمان ١/ ٣٨٩.
[٢] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.
[٣] ما بين المعقوفتين: من تاريخ الطبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>