للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذراع، فكمن في ظل حائط ثم قَالَ: أمانة الله في عنقك أن [لا] [١] تخبر بما ألقي إليك أحدا. فقلت: يا سيدي، هذه مخاطبة الأخ أخاه، وأنا عبد يخاطبني مولاي بمثل هذا.

فَقَالَ: والله لتقولن إني لا أقولها لأحد، وإنها أمانة حتى أؤديها إليك عند الله. قَالَ:

فعلت. فكشف عَن بطنه/، فإذا حرير قد عصب بن بطنه وظهره، ثم حول إلى قفاه فأخذ ثيابه عن ظهره، فإذا قروح ونقابات قد واراها بخرق وأدوية، وقَالَ: منذ كم ترى هذا بي؟ قُلْتُ: لا أدري. قال: ظهرت في أول سنة تسع وثمانين، والله ما اطلع عليها أحد من الناس إلا بختيشوع، ورجاء، ومسرور، فأما ابن بختيشوع فإنه بلغني أنه أخبر به المأمون، وو الله لئن بقيت لابن الفاعلة لأتركنه يهيم بطلب الخبر حتى يشغله ذلك عن إذاعة السر. وأما مسرور فأخبر الأمين بعلتي، وما منهم أحد إلا له علي حين، فأنى تصفوا [٢] لي حياة وأعز ولدي يحصي أنفاسي، ويستحب علتي، ولقد بلغ من تبرمهم بي وبحياتي أني إذا أردت الركوب جاءوني ببرذون قطوف، وليس إلا ليزيد في علتي، ويفسد علي جوارحي، فأكره أن أظهر هذا لهم، فيستوحشوا مني، ومتى استوحشوا أظهروا من العداوة ما كان باطنا، والعامة لهم أرجأ والخاصة إليهم أميل، وأنا كالخائف بينهم، أصبح فلا أطمع في المساء، وأمسي ولا أطمع في الصباح.

فقلت: يا سيدي، ما أحسن الجواب عن هذا، ولكن أقول: من أرادك بكيد فأراه الله ذلك الكيد في نفسه، وأراه فيك ما يسوءه، وأطال بقاءك، وكبت أعداءك حيث كانوا.

فقال: سمع الله دعاءك، انصرف فإن أشغالك ببغداد كثيرة. فودعته، وكان آخر العهد بِهِ.

وروى أبو بكر الصولي/ قَالَ: حدثنا محمد بن الفضل بن الأسود، حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي قَالَ: حدثني مسرور قَالَ: دخلت على الرشيد وهو يبكي عند خروجه إلى خراسان آخر خرجة، وفي يده قرطاس يقرأه فَقَالَ: يا مسرور،


[١] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
[٢] في الأصل: «يصفو» .

<<  <  ج: ص:  >  >>