للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذه السنة: قتل محمد بن هارون، وذلك أنه لما تيقن محمد أنه لا عدة له للحصار، وخاف أن يظفر به وبأصحابه صار إليه حاتم بن الصقر، ومحمد بن إبراهيم بن الأغلب الأفريقي وقواده، فقالوا: قد آلت حالك/ وحالنا إلى ما ترى، وقد رأينا رأيا نعرضه عليك فانظر فيه، فإنا نرجو أن يكون صوابا. قال: ما هو؟ قالوا: قد تفرق عنك النَّاسَ، وأحاط بك عدوك من كل جانب، وقد بقي من خيلك معك ألف فرس، فنرى أن تختار من قد عرفناه بمحبتك من الأبناء مع ألف رجل، ونخرج ليلا من هذه الأبواب حتى نلحق بالجزيرة والشام، فتفرض [الفروض] [١] وتجبي الخراج، وتصير في مملكة واسعة، ويسارع إليك الناس. فَقَالَ: نعم ما رأيتم. واعتزم على ذَلِكَ.

فخرج الخبر إلى طاهر، فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر، وإلى محمد بن عيسى بن نهيك، وإلى السندي بن شاهك: والله لئن لم تردوه عن هذا الرأي لا تركت لكم ضيعة إلا قبضتها، ولا يكون لي همة إلا أنفسكم. فدخلوا على محمد فقالوا: قد بلغنا الذي عزمت عليه، ولسنا نأمن الذين تخرج معهم أن يأخذوك أسيرا ويأخذوا رأسك، فيتقربوا بك.

فأضرب عما كان عزم عليه، ومال إلى طلب الأمان، فلما اشتد الحصار عليه فارقه سليمان بن أبي جعفر، وإبراهيم بن المهدي، ومحمد بن عيسى بن نهيك، ولحقوا جميعا بعسكر المأمون، وقَالَ له السندي: بادر بنا إلى هرثمة، واخرج ليلا، فغضب طاهر، وأراد أن يخرج إليه. فقيل له يخرج إلى هرثمة لأنه يأنس به، ويدفع إليك الخاتم والقضيب والبردة. فقيل لطاهر: هذا مكر منه، وإن الخاتم والقضيب والبردة تحمل معه إلى هرثمة/.

فاغتاظ وكمن حول القصر كمينا بالسلاح، وذلك ليلة الأحد لخمس مضين من المحرم سنة ثمان وأربعين ومائة، وذلك لخمس وعشرين من أيلول.

فلما أراد الخروج استسقى ماء، فلم يوجد له، فدعا بولديه فضمهما إليه وقبلهما


[١] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأضفناه من الطبري ٨/ ٤٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>