للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيأتون الرجل، فيأخذون ابنه، فيذهبون به، فلا يقدر على المنع منهم، وكانوا يجتمعون فيأتون القرى، فيأخذون ما قدروا عليه، ولا سلطان يمنعهم ولا سلطان يعثر بهم، وخرجوا في آخر أمرهم إلى قطربُّل فانتهبوها علانية، وجاءوا بما أخذوه يبيعونه علانية، وجاء أهلها فاستعدوا السلطان فلم يعدهم، وكان ذلك في آخر شعبان، فلما رأى الناس ذلك، قام صلحاء كل ربض ودرب/ ومشى بعضهم إلى بعض وقالوا: إنما يكون في الدرب الواحد الفاسق والفاسقان إلى العشرة، فأنتم أكثر منهم وقد غلبوكم، فلو اجتمعتم لمنعتم هؤلاء الفساق. فقام رجل من ناحية طريق الأنبار يقال لَهُ: خالد الدريوش، فدعا جيرانه، وأهل محلته إلى معاونته على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأجابوه، فشد على من يليه من الفساق والشطار فمنعهم وحبسهم ورفعهم إلى السلطان لأنه كان لا يرى أن يغير على السلطان شيئا، ثم قام من بعده بيومين أو ثلاثة رجل يقال لَهُ: سهل بن سلامة الأنصاري من أهل خراسان، ويكنى: أبا حاتم، فدعا الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلَّى اللَّه عليه وسلم، وعلق مصحفا في عنقه، ثم بدأ بأهل محلته وجيرانه، فأمرهم ونهاهم فقبلوا منه، ثم دعا الناس جميعا إلى ذَلِكَ وجعل لنفسه ديوانا يثبت فيه اسم من أتاه يبايعه على ذلك، لقتال من خالفه، فأتاه خلق كثير فبايعوه، إلا أن خالد الدريوش خالفه فَقَالَ: أنا لا أغير على السلطان شيئا ولا أقاتله. قال سهل: أنا أقاتل كل من خالف الكتاب والسنة، كائنا من كان، سلطانا أو غير سلطان، فمن بايعني على ذلك قبلته، ومن خالفني قاتلته.

وقام سهل بذلك يوم الخميس لأربع خلون من رمضان، وقوتل من قبل السلطان، قاتله عيسى بن محمد بن أبي خالد، فقاتل/ فضرب ضربة بالسيف، فرجع إلى منزله، ثم اعتذر إليه عيسى أن يعود إلى الأمر بالمعروف، فعاد [١] .

وفي هذه السنة: جعل المأمون علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ولي عهد المسلمين والخليفة من بعده، وسماه الرضي من آل مُحَمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلم وأمر [٢] جنده أن يطرح السواد ولبس ثياب الخضرة، وكتب بذلك إلى الآفاق، وذلك يوم


[١] انظر: تاريخ الطبري ٨/ ٥٥١- ٥٥٤.
[٢] في الأصل: «وأمره جنده» .

<<  <  ج: ص:  >  >>