للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّه فِي الدنيا والآخرة. قَالَتْ: فإني سأكتمه عليك، قَالَ: فإني لا أريد النِّسَاء.

فأقامت مَعَهُ سَنَة، ثُمَّ إِن أباه أنكر ذَلِكَ، فسأله فَقَالَ: يا أبه مَا طال ذَلِكَ بَعْد، فدعى امرأته فسألها، فَقَالَتْ مثل ذَلِكَ، ففرق بينهما وزوجه امرأة فِي بَيْت أشرافهم فأدخلت عَلَيْهِ فاستكتمها أمره، فلما مضت سَنَة سأله أبوه مثل مَا سأل، فَقَالَ: مَا طال ذَلِكَ، فسأل المرأة فَقَالَتْ: كَيْفَ تحمل امرأة من غَيْر زوج مَا مسني؟ فغضب أبوه، فهرب منه.

فبعثه اللَّه نبيا مَعَ «ناشية» ، و «ناشية» ملك. وَذَلِكَ حِينَ عظمت الأحداث فِي بَنِي إسرائيل وعملوا بالمعاصي، وقتلوا الأنبياء، وأوحى إِلَيْهِ: إني مهلك بَنِي إسرائيل ومنتقم مِنْهُم، فقم عَلَى صخرة بَيْت المقدس يأتيك أمري، فقام وجعل الرماد عَلَى رأسه وخر ساجدا، وَقَالَ: يا رب، وددت أَن أمي لَمْ تلدني حِينَ جعلتني آخر أنبياء بَنِي إسرائيل، فيكون خراب بَيْت المقدس وبوار بَنِي إسرائيل من أجلي، فقيل لَهُ: ارفع رأسك، فرفع رأسه وبكى ثُمّ قَالَ: يا رب من تسلط عَلَيْهِم؟ قَالَ: عبدة النيران لا يخافون عذابي ولا يرجون ثوابي، قم يا أرميا فاستمع حَتَّى أخبرك خبرك وخبر بَنِي إسرائيل: من قبل أَن أصورك قَدْ نبيتك، من قبل أَن أخرجك من بطن أمك طهرتك، ومن [قبل] [١] أَن تبلغ الأشد اخترتك، ولأمر عظيم اجتبيتك، فقم مَعَ الْمَلِك «ناشية» فسدده وأرشده فكان مَعَهُ يرشده، ويأتيه الوحي حَتَّى عظمت الأحداث ونسوا إنجاء اللَّه إياهم من عدوهم سنحاريث، فأوحى اللَّه إِلَى أرميا: قم فقص عَلَيْهِم مَا أمرتك بِهِ، وذكرهم نعمتي عَلَيْهِم، وعرفهم أحداثهم.

فَقَالَ أرميا: يا رب إني ضعيف إِن لَمْ تقوني، عاجز إِن لَمْ تبلغني، مخطئ إِن لَمْ تسددني، مخذول إِن لَمْ تنصرني، ذليل إِن لَمْ تعزني.

فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ: أولم تعلم أَن الأمور كلها تصدر عَنْ مشيئتي، وأن الخلق والأمر كُلهُ لي، وأن القلوب والألسنة كلها بيدي أقلبها كَيْفَ شئت فتطيعني، وأنا الله الّذي ليس شيء مثلي، قامت السموات وَالأَرْض وَمَا فيهن بكلمتي، وَلَمْ تتم المقدرة إلا لي، وَلَمْ يعلم مَا عندي غيري، وأنا الَّذِي كلمت البحار ففهمت قولي وأمرتها فعقلت


[١] ما بين المعقوفتين: من هامش الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>