للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلك فيه رزق. ولا تحمل هم شتائك وصيفك عَلَى يومك، حسب هم كل يوم بما فيه.

يا معشر الحواريين. إن ابن آدم خلق فِي الدنيا عَلَى أربعة منازل، فهو في ثلاثة منها/ باللَّه واثق، وظنه باللَّه حسن، وهو فِي الرابعة سيئ ظنه بربه يخاف خذلان اللَّه إياه.

أما المنزلة الأولى، فإنه يخلق فِي بطن أمه خلقا من بعد خلق، فِي ظلمات ثلاث: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، يدر اللَّه عَلَيْهِ رزقه فِي ظلمة البطن، فإذا خرج من البطن وقع فِي اللبن، لا يسعى إليه بقدم، ولا يتناوله بيده، ولا ينهض إليه بقوة بل يكره عَلَيْهِ، حَتَّى يرتفع عَنِ اللبن ويفطم، ويقع فِي المنزلة الثالثة بين أبوين يحنان عَلَيْهِ [١] ، فإذا ماتا وتركاه يتيما تعطف عَلَيْهِ الناس، يطعمه هَذَا ويكسوه هَذَا رحمة له، حَتَّى إذا بلغ منزلته الرابعة واستوى خلقه واجتمع حَتَّى أنه لا يرزقه إلا اللَّه، اجترأ عَلَى اللَّه، وغدا على الناس يقاتلهم عَلَى الدنيا.

يا معشر الحواريين، اعتبروا بالطير، هل رأيتم طيرا قط يدخر، وكذلك البهائم والسباع، الحق أقول لكم أمسيتم فِي زمان [قوم] [٢] كلامهم كلام الأنبياء، وفعالهم فعال السفهاء، كلامهم دواء يبرئ الداء، وقلوبكم ما تقبل الدواء. قلوبكم تبكي من أعمالكم، أصبحت الدُّنْيَا عندكم بمنزلة العروس المجلية يعشقها كل من يراها، وهي بمنزلة الحية، لين لمسها، يقتل سمها.

يا معشر الحواريين، ليكن همكم من الدنيا أنفسكم تفوزوا بها، ولا تكن همكم بطونكم وفروجكم، تملئوها من الطعام وتضمروها من الحكمة، كلوا خبز الشعير، وملح الجريش، واخرجوا من الدنيا سالمين. واعلموا أن النظر إِلَى النساء سهم من سهام إبليس مسموم، وهو يزرع الشهوة فِي القلب، وإن مثل الحكيم يعمل حكمته كمثل الشمس تضيء للخلائق ولا تحرق نفسها، وإن مثل الحكيم [٣] الذي لا يعمل بحكمته كمثل السراج يضيء لمن حوله، ويحرق نفسه.


[١] في الأصل: «بين أبوان يكسبان عليه» . والتصحيح من: ت.
[٢] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[٣] «الحكيم» . سقطت من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>