للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بابن النرسي، قَالَ: كنت جالسا بحضرة أبي وأنا حدث وعنده جماعة، فحدثني حديث وصول النعم إلى الناس بالألوان الطريفة، وكان ممن حضر صديق لأبي فسمعته يحدث أبي، قَالَ: حضرت عند صديق لي من التجار كَانَ يحزر بمائة ألف دينار في دعوة، وَكَانَ حسن المروءة، فقدم مائدته وعليها ديكيريكة [١] ، فلم يأكل منها فامتنعنا، فَقَالَ: كلوا فإني أتأذى بأكل هذا اللون، فقلنا: نساعدك على تركه، قَالَ: بل أساعدكم على الأكل واحتمل الأذى، فأكل فلما أراد غسل يديه أطال، فعددت عليه أنه قد غسلها أربعين مرة، فقلت: يا هذا وسوست؟ فَقَالَ: هذه الأذية التي فرقت/ منها [٢] فقلت: وما سببها؟

فامتنع من ذكره، فألححت [٣] عليه، فَقَالَ: مات أبي وسني عشرون سنة، وخلف لي نعمة صغيرة، ورأس مال ومتاعا في دكانه، وَكَانَ خلقانيا في الكرخ، فَقَالَ لي لما حضرته الوفاة: يا بني إنه لا وارث لي غيرك ولا دين عَلي ولا مظلمة فإذا أنا مت فأحسن جهازي وصدق عني بكذا وكذا، وأخرج عن حجة بكذا وكذا، وقال وبارك الله لك في الباقي، ولكن احفظ وصيتي. فقلت: قل، فَقَالَ: لا تسرف في مالك فتحتاج إلى ما في أيدي الناس ولا تجده، واعلم أن القليل مع الإصلاح كثير، والكثير مع الفساد قليل، فالزم السوق وكن أول من يدخلها وآخر من يخرج منها، وإن استطعت أن تدخلها سحرا بليل فافعل فإنك تستفيد بذلك فوائد تكشفها لك الأيام. ومات، وأنفذت وصيته وعملت بما أشار به، وكنت أدخل السوق سحرا وأخرج منها عشاء، فلا أعدم من يجيئني من يطلب كفنا فلا يجد من قد فتح غيري فأحكم عليه ومن يبيع شيئا والسوق لم تقم فأبيعه له وأشياء من الفوائد، ومضى على لزومي السوق سنة وكسر، فصار لي بذلك جاه عند أهلها، وعرفوا استقامتي فأكرموني، فبينا أنا جالس يوما ولم يتكامل السوق إذا بأمرأة راكبة حمارا مصريا وعلى كفله منديل دبيقي وخادم، وهي بزي القهرمانة فبلغت آخر السوق، ثم رجعت فنزلت عندي، فقمت إليها وأكرمتها، وقلت: ما تأمرين؟ وتأملتها فإذا بامرأة لم أر قبلها ولا بعدها إلى الآن أحسن منها في كل شيء، فقالت: أريد كذا ثيابا طلبتها، فسمعت نغمة ورأيت شكلا قتلني وعشقتها في الحال أشد العشق، فقلت:


[١] على هامش المطبوعة: «لعلها ديگ بر ديگ» . كلمة فارسية معناها قدر على قدر.
[٢] في ت، ك: «فقال هذا الأذى الّذي توقفت منها» .
[٣] في ت: «فامتنع من ذكرها» .

<<  <  ج: ص:  >  >>