للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يقنع إلا بأدائها، فكتب الوزير أَبُو جعفر الكرخي تقسيطا بدأ فيه بنفسه، ودخل عليه جعفر بْن ورقاء فسلم إليه الدرج، وخاطبه ليكتب شيئا، فَقَالَ: أنا أدبر الأمر، وكتب ضمن جعفر بْن ورقاء لوكيل أمير المؤمنين مائة ألف دينار عن عبد الرحمن بْن عيسى، ونفذ بها، فلما رأى الراضي الرقعة اغتاظ وخرقها، وَقَالَ: قل له يا أعرابي جلف أردت أن تري الناس أنك واسع النفس وقد عزمت عمن لا حرمته بينك وبينه هذا المال، وضاقت نفسي أنا عن تركه وهو خادمي فتظهر أنك أكرم مني، لا كَانَ هذا، فَقَالَ ابن ورقاء: والله ما اعتمدت أن يقع في نفسه إلا هذا فيفعل ما فعله، ولو جرى الأمر بخلافه لأديت ما أملك، واستمحت الناس.

أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخطيب، قَالَ: كَانَ للراضي فضائل كثيرة وختم الخلفاء في أمور عدة منها: أنه آخر خليفة له شعر مدون، وآخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش والأموال، وآخر خليفة خطب على المنبر يوم الجمعة، وآخر خليفة جالس الجلساء ووصل إليه الندماء، وآخر خليفة كانت نفقته وجوائزه وعطاياه وجراياته وخزانته ومطابخه ومجالسه وخدمه وحجابه وأموره كلها تجري على ترتيب المتقدمين من الخلفاء، وقد روي لنا في حديث أنه وقع حريق بالكرخ [١] ، فأطلق للهاشميين عشرة آلاف دينار وللعامة أربعين ألفا حتى عمروا ما احترق، وولع بهدم القصور من دار الخلافة وتصييرها بساتين.

وله أشعار حسان منها:

لا تعذلي كرمي على الإسراف ... ربح المحامد متجر الإشراف

أجرى كآبائي الخلائف سابقا ... وأشيد ما قد أسست أسلافي

إني من القوم الذين أكفهم ... معتادة الأخلاف والإتلاف

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ علي بن ثابت، أَخْبَرَنَا عَلِي بْن الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سمعت أبا بكر مُحَمَّد بْن يحيى الصولي يحكي: أنه دخل على الراضي وهو يبني شيئا أو يهدم شيئا فأنشده أبياتا، وَكَانَ الراضي جالسا على


[١] في ك: «إنه وقع الحريق بالكرخ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>