للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالري، فأمره أن يأخذه بالحفظ لأيام العرب ومكارم أخلاقها ودراسة أخبارها [١] وقراءة أشعارها، فَقَالَ له المهدي ذات ليلة: يا شرقي، مرح قلبي [الليلة] [٢] بشَيْء يلهيه، قَالَ: نعم، أصلح اللَّه الأمير، ذكروا أنه كان فِي ملوك/ الحيرة ملك له نديمان قد نزلا من قلبه منزلة نفيسة، وكانا لا يفارقانه فِي لهوه وبأسه، ويقظته ومنامه [٣] ، وكان لا يقطع أمرا دونهما، ولا يصدر إلا عَنْ رأيهما، فغبر بذلك دهرا طويلا.

فبينما هو ذات ليلة فِي شغله ولهوه، إذ غلب عَلَيْهِ الشراب فأثر فيه تأثيرا أزال عقله، فدعا بسيفه فانتضاه وشد عليهما فقتلهما، وغلبته عيناه فنام، فلما أصبح سأل عنهما فأخبر بما كان منه، فأكب عَلَى الأرض عاضا عليها [٤] تأسفا عليهما وجزعا لفراقهما، فامتنع من الطعام والشراب وتسلب عليهما ثم حلف ألا [٥] يشرب شرابا يخرج عقله ما عاش، فواراهما وبنى عَلَى قبريهما الغرنين، وسن أن لا يمر بهما أحد من الملك فمن دونه إلا سجد لهما.

قَالَ: وكان إذا سن الملك سنة توارثوها وأحيوا ذكرها، وأوصى بها الآباء أعقابهم.

قَالَ: فغبر الناس بذلك دهرا طويلا لا يمر بقبرهما أحد [٦] صغيرا ولا كبيرا إلا سجد لهما، فصار ذلك سنة لازمة، وأمرا كالشريعة والفريضة، وحكم فِي من أبى أن يسجد لهما بالقتل بعد أن يحكم فِي خصلتين يجاب إليهما كائنا ما كانتا.

قَالَ: فمر يوما قصار [٧] ومعه كارة ثيابه، وفيها مدقته، فَقَالَ الموكلون بالقبر للقصار: اسجد! فأبى أن يفعل، فقالوا: إنك مقتول إن لم تسجد، فأبى، فرفع إِلَى الملك وأخبر بقصته. فَقَالَ: ما منعك أن تسجد؟ فقال: قد سجدت، ولكن كذبوا


[١] «أخبارها» سقطت من ت.
[٢] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل.
[٣] في ت: «ومنامه ويقظته» .
[٤] في الأصل: «عاضا عليهما» .
[٥] في الأصل: «حلف لا» .
[٦] في الأصل: أحدا.
[٧] القصّار: هو الّذي يقصر الثياب، وهي حرفة اختص بها أهل خوارزم وآمل وطبرستان (الأنساب ١٠/ ١٦٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>