للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جزى بنوه أبا الغيلان عَنْ كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمار

وَقَالَ آخر:

جزاني جزاه اللَّه شر جزائه ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنب

[١] وكان النعمان هَذَا قد غزا الشام مرارا، وسبى وغنم، وكان أشد الملوك نكاية فِي عدوه، وكان ملك فارس قد جعل معه كتيبتين يقال لإحداهما: دوسر وهي لتنوخ، والأخرى: الشهباء وهي لفارس [٢] فكان يغزو بهما بلاد الشام، ومن [٣] لم يدن له من العرب.

وإنه جلس يوما فِي مجلسه من الخورنق، فأشرف منه عَلَى النجف وما يليه من البساتين والنخيل والأنهار مما يلي المغرب، وعلى الفرات مما يلي المشرق [٤] فِي يوم من أيام الربيع، فأعجب بما رأى من الخضرة والأنهار فَقَالَ لوزيره: هل رأيت مثل هَذَا المنظر قط! فَقَالَ: لا، لو كان يدوم!؟. قَالَ: فما الذي يدوم؟ قَالَ: ما عند اللَّه فِي الآخرة. قَالَ: فبم ينال ذَلِكَ؟ قَالَ: بترك الدنيا وعبادة اللَّه. فترك ملكه من ليلته، ولبس المسوح، وخرج مستخفيا هاربا لا يعلم به أحد، وأصبح الناس لا يعلمون بحاله.

وَفِي ذلك يقول عدي بْن زيد [٥] :

وتبين رب الخورنق إذ ... أصبح يوما وللهدى تفكير

سره حاله وكثرة ما يلقاه ... والبحر معرض والسدير

فارعوى قلبه فَقَالَ وما ... غبطة حي إِلَى الممات يصير

[٦] وكان ملك النعمان إِلَى أن تركه وساح فِي الأرض تسعا وعشرين سنة وأربعة


[١] البيت من الحيوان ١/ ٢٣، وثمار القلوب ١٠٩، والروض الأنف ١/ ٦٧، والطبري ٢/ ٦٦.
[٢] في ت: «والأخرى الشهباء، فدوسر لتنوخ والشهباء لفارس» .
[٣] «من» سقطت من ت.
[٤] في الأصل: «ما يلي الغرب وعلى الفرات مما يلي الشرق» .
[٥] في الأصل زيادة: «حيث يقول» .
[٦] الأبيات في الأغاني ٢/ ١٣٩، والطبري ٢/ ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>