للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له: العبيد يحرقون مصر وينهبونها، والنار تعمل في الموضع الفلاني والموضع الفلاني، فيظهر التوجع، ويقول: من أمرهم بهذا لعنهم الله، فلما كان في اليوم الثالث اجتمع الأشراف والشيوخ في الجوامع، ورفعوا المصاحف، وعجوا بالبكاء، وابتهلوا إلى الله تعالى في الدعاء، فرحمهم المشارقة والأتراك، فانحازوا إليهم وقاتلوا معهم، وأرسلوا إلى الحاكم يقولون:

نحن عبيدك ومماليكك، وهذا البلد بلدك، وفيه حرمنا وأولادنا وما علمنا أن أهله جنوا جناية تقتضي سوء المقابلة، فإن كان هناك باطن لا نعرفه أشعرتنا به وانتظرت علينا إلى أن نخرج أموالنا وعيالنا، وإن كان ما عليه هؤلاء العبيد مخالفا لرأيك أطلعتنا في معاملتهم بما تعامل به المفسدين، فأجابهم: بأني ما أردت ذلك ولا أذنت فيه، وقد أذنت لكم في نصرتهم والإيقاع بمن يتعرض بهم.

وراسل العبيد سرا بأن كونوا/ على أمركم، وحمل إليهم سلاحا قواهم به، فاقتتلوا، وأعادوا الرسالة إليه: أنا قد عرفنا غرضك إنه إهلاك هذا البلد وما يجوز أن نسلم أنفسنا، وأشاروا إلى بعض العبيد [١] في قصد القاهرة، فلما رآهم مستظهرين ركب حماره ووقف بين الفريقين، وأومأ إلى العبيد بالانصراف، وسكن الآخرين فقبلوا ذلك وشكروه، وسكنت الفتنة، وكان قدر ما أحرق من مصر ثلثها ونهب نصفها، وتتبع المصريون من أخذ من زوجاتهم وبناتهم، وابتاعوا من العبيد بعد أن فضحوهن حتى قتل منهن نفوسهن خوفا من عار الفواحش المرتكبة منهم، ثم زاد ظلم الحاكم وعن له أن يدعي الربوبية، فصار قوم من الجهال إذا رأوه يقولون له: يا واحدنا يا أحدنا يا محيي يا مميت، وكان قد أسلم جماعة من اليهود فكانوا يقولون أنا نريد أن نعاود شرعنا الأول فيفسح لهم في الارتداد، وأوحش أخته بمراسلات قبيحة، وقال لها: قد وقع إلي أنك تدخل الرجال إليك، فراسلت [٢] قائدا يقال له ابن دواس كان شديد الخوف من الحاكم أن يقتله، فقالت: إني أريد [أن] ألقاك إما أن تتنكر لي وتأتيني [٣] وأما أن أجيء إليك،


[١] في ص، ل: «إلى بعض الوعيد» .
[٢] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[٣] «وتأتيني» ساقطة من ص.

<<  <  ج: ص:  >  >>