للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذي يزن، وما قدم له، وسأله أن يأذن له عَلَيْهِ، ففعل.

وكان كسرى إنما يجلس فِي إيوان مجلسه الذي فيه تاجه، وكان تاجه مثل القنفل [١] العظيم، مضروبا فيه الياقوت والزبرجد واللؤلؤ والذهب والفضة، معلقا بسلسلة من ذهب فِي رأس طاق مجلسه ذلك، وكانت عنقه لا تحمل [٢] تاجه، [إنما] يستر [٣] بالثياب حَتَّى يجلس فِي مجلسه، ثم يدخل رأسه فِي تاجه، فإذا استوى فِي مجلسه كشف الثياب عنه، فلا يراه أحد إلا برك هيبة لَهُ.

فلما دخل عَلَيْهِ سيف بْن ذي يزن برك، ثم قَالَ: أيها الملك غلبتنا عَلَى بلادنا الأغربة. فَقَالَ كسرى: أي الأغربة [٤] ؟ الحبشة أم السند؟ قَالَ: الحبشة، فجئتك لتنصرني عليهم، وتخرجهم عني، وتكون لك بلادي [٥] ، فأنت أحب إلينا منهم. فَقَالَ:

بعدت أرضك من أرضنا، وهي أرض قليلة الخير، إنما بها الشاء والبعير، وذلك مما [٦] لا حاجة لنا به، فلم أكن لأورط جيشا من فارس بأرض العرب، لا حاجة لي بذلك.

فأجيز بعشرة آلاف درهم، وكساه كسوة حسنة، فلما قبضها خرج فجعل ينثر الورق للناس، فنهبتها الصبيان والعبيد والإماء، فلم يلبث ذلك أن دخل عَلَى كسرى، فقيل له: العربي الذي أعطيته ما أعطيته نثره للناس ونهبته العبيد والصبيان [٧] والنساء.

فَقَالَ: إن لهذا الرجل لشأنا، ائتوني به، فلما دخل قَالَ: عمدت إِلَى حباء الملك الذي حباك به تنثره للناس! قَالَ: وما أصنع بالذي أعطاني الملك! ما جبال أرضي التي جئت منها إلا ذهب وفضة- يرغبه فيها لمَّا رأى من زهادته فيها- إنما جئت إِلَى الملك ليمنعني


[١] في ت: «القبة» . والقنفل: مكيال يسع ثلاثين منا، والمن: وزان رطلين.
[٢] في ت: «كان عنقه لا يحمل» . وفي الأصل: «كانت عنقه لا يحتمل» .
[٣] ما بين المعقوفتين: من الطبري ٢/ ١٤٠. وفي ت: «فيسير بالثياب» .
[٤] في ت: «إني الأغربة» .
[٥] في الطبري ٢/ ١٤٠. «ويكون ملك بلادي لك» .
[٦] في الأصل، ت: «ما لا حاجة» .
[٧] من أول: «والعبيد والإماء ... » حتى « ... ونهبته العبيد والصبيان» . ساقط من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>