للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما] [١] تقول في السباع التي لا طعام لها إلا لحوم الحيوان، فإن كان الخالق الذي دبر ذلك فما أنت بأرأف منه، وإن كانت الطبائع المحدثة لذلك، فما أنت بأحذق منها ولا أنقص عملا منك.

قَالَ المصنف رحمه الله: وقد كان يمكنه أن لا يذبح رحمة، فأما ما قد ذبحه غيره فأي رحمة قد بقيت في ترك أكله، وكانت أحواله تدل على اختلاف عقيدته.

وقد حكى/ لنا عن أبي زكريا أنه قَالَ: قَالَ لي المعري: ما الذي تعتقد؟ فقلت ١٢/ ب في نفسي: اليوم أعرف اعتقاده. فقلت: ما أنا إلا شاك. فقال: هكذا [٢] شيخك. وكان ظاهر أمره يدل أنه يميل إلى مذهب البراهمة، فإنهم لا يرون ذبح الحيوان، ويجحدون الرسل وقد رماه جماعة من أهل العلم [٣] بالزندقة والإلحاد، وذلك أمره ظاهر في كلامه وأشعاره، وأنه يرد على الرسل ويعيب الشرائع، ويجحد البعث.

ونقلت من خط أبى الوفاء ابن عقيل أنه قَالَ: من العجائب أن المعري أظهر ما أظهر من الكفر البارد الذي لا يبلغ منه مبلغ شبهات الملحدين، بل قصر فيه كل التقصير، وسقط من عيون الكل، ثم اعتذر بأن لقوله باطنا، وأنه مسلم في الباطن، فلا عقل له ولا دين، لأنه تظاهر بالكفر وزعم أنه مسلم في الباطن، وهذا عكس قضايا المنافقين والزنادقة، حيث تظاهروا بالإسلام وأبطنوا الكفر، فهل كان في بلاد الكفار حتى يحتاج إلى أن يبطن الإسلام، فلا أسخف عقلًا ممن سلك هذه الطريقة التي هي أخس من طريقة الزنادقة والمنافقين، إذا كان المتدين يطلب نجاة الآخرة، والزنديق يطلب النجاة في الدنيا، وهو جعل نفسه عرضة لإهلاكها [٤] في الدنيا حين طعن في الإسلام في بلاد الإسلام، وأبطن الكفر، وأهلك نفسه في المعاد، فلا عقل له ولا دين.


[١] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[٢] في ص: «هذا» .
[٣] في ص: «من العلماء» .
[٤] في ص: «إذا كان المتدين يطلب نجاة الآخرة لا هلاكها في الدنيا» .
وفي ت: «إذا كان المتدين يطلب النجاة في الدنيا وقد جعل نفسه عرضة لإهلاكها ... » .

<<  <  ج: ص:  >  >>