للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الجانب الغربي، ونهب العوام من نهر معلى، وديوان الخاص ما لا يحصى، وأحرقوا الأسواق، فركب الخليفة لابسا للسواد، على كتفه البردة، وعلى رأسه اللواء، وبيده سيف مجرد، وحوله زمرة من الهاشميين والجواري حاسرات منشرات، معهن المصاحف على رءوس القصب، وبين يديه الخدم بالسيوف المسلولة، فوجد عميد العراق قد استأمن إلى قريش بن بدران، وكان قريش قد ظافر البساسيري، وأقبل معه، فصعد الخليفة إلى منظرة له، واطلع أبو القاسم ابن المسلمة وصاح بقريش: يا علم الدين، أمير المؤمنين يستدنيك. فدنا فقال له: قد آتاك الله رتبة لم ينلها أمثالك، فإن أمير المؤمنين يستذم منك على نفسه وأهله وأصحابه بذمام الله تعالى وذمام رسوله صلى الله عليه وسلم، وذمام العرب، فقال له قريش: قد أذم الله تعالى له. فقال: ولمن [١] معه؟ قَالَ: نعم. وخلع قلنسوته من تحت عمامته فأعطاها الخليفة ذماما فتسرح ابن المسلمة إليهم من الحائط، ونزل الخليفة ففتح الباب المقابل/ لباب الحلبة وخرج، فقبل قريش الأرض بين يديه ١٨/ أدفعات، فبلغ البساسيري ذلك فراسل، وقال: أتذم لهما وقد استقر بيني وبينك ما استحلفتك عليه؟ وكانا قد تحالفا أن لا ينفرد أحدهما بأمر دون الآخر، وأن يكون جميع ما يتحصل من البلاد والأموال بينهما. فقال له قريش: ما عدلت عما استقر بيننا، وعدوك هو ابن المسلمة فخذه وأنا آخذ الخليفة بإزائه. فقنع بذلك وحمل ابن المسلمة إلى البساسيري، فلما رآه قَالَ: مرحبا بمدفع الدول، ومهلك الأمم، ومخرب البلاد، ومبيد العباد. فقال له: أيها الأمير [٢] العفو عند المقدرة [٣] . فقال: قد قدرت فما عفوت وأنت تاجر وصاحب طيلسان، ولم تستبق من الحرم والأطفال والأجناد، فكيف أعفو عنك وأنا صاحب سيف، وقد أخذت أموالي، وعاقبت حرمي، ونفيتهم في البلاد، وشتتني ودرست دوري، ولكن هذا أيضا من قصورك [٤] الفاسد، وعقلك الناقص.

واجتمع العامة فسبوه وهموا به، فأخذه البساسيري يسير [٥] إلى جنبه خوفا عليه


[١] في ص: «وكن» .
[٢] في ص: «أيها الأجل» .
[٣] في ص: «القدرة» .
[٤] في الأصل: «تصورك» .
[٥] «يسير» سقطت من ص.

<<  <  ج: ص:  >  >>