للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحب الأشياء إلي الدينار والخط الحسن، فأنا أخرج للَّه محبوبي. ووقع مرض في زمانه، فبعث إلي جميع أصقاع البلد أنواع الأشربة والأدوية، وكان يخرج العشر من جميع أمواله النباتية على اختلاف أنواعه، وعرضت عليه رقعة من بعض الصالحين يذكر فيها: أن امرأة معها أربعة أطفال أيتام، وهم عراة جياع. فقال للرجل: امض الآن إليهم، واحمل معك ما يصلحهم، ثم خلع أثوابه وقال: والله لا لبستها ولا دفئت حتى تعود وتخبرني أنك كسوتهم وأشبعتهم، فمضى وعاد فأخبره وهو يرعد من البرد.

حكى حاجبه الخاص به قال: [استدعاني ليلة، وقال:] [١] إني أمرت بعمل قطائف، فلما حضر بين يدي ذكرت نفوسا تشتهيه فلا تقدر عليه، فنغص ذلك علي أكله، ولم أذق منه/ شيئا، فأحمل هذه الصحون إلى أقوام فقراء. فحملها الفراشون ١١/ ب معه، وجعل يطرق أبواب المساجد بباب المراتب، ويدفع ذلك إلى الأضراء المجاورين بها.

وكان يبالغ في التواضع، حتى ترك الاحتجاب فيكلم المرأة والطفل، وأوطأ العوام والصالحين مجلسه، وكان يحضر الفقهاء الديوان في كل مشكل، وكانوا إذا أفتوا في حق شخص بوجوب حق القصاص عليه سأل أولياء الدم أخذ شيء من ماله وأن يعفوا، فإن فعلوا وإلا أمر بالقصاص، وأعطى ذلك المال ورثة المقتول الثاني، ولقد جرت منه عصبية مرة في ليل الغيم فأمر ابن الخرقي المحتسب أن يجلس بباب النوبي ويكرم الناس بالإفطار، وأحضر أطباقا فيها لوز وسكر، وبعث إلى أبي إسحاق الخزاز بباب المراتب ليمنعه من صلاة التراويح تلك الليلة فلم يمتنع ذلك وقرأ «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى» ٩٦: ٩- ١٠ [٢] فعدد في هذا الشهر أن صام الناس ثمانية وعشرين يوما فأسقط في يده وذبح البقر، وصدق بصدقات وافرة، وعاهد الله سبحانه أن لا يتعصب في الفروع أبدا.

وفي زمانه أسقطت [٣] المكوس، وألبس أهل الذمة الغيار، وتقدم إلى ابن


[١] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل.
[٢] سورة: العلق، الآية: ٩.
[٣] في الأصل: «وفي زمانه سقطت» .

<<  <  ج: ص:  >  >>