للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمن اللَّه علينا بطول مدتك، فَقَالَ: دعوا هَذِهِ المقالة واقبلوا عَلَى ما وصفت لكم، فلم تمض غير ليلة حَتَّى هلك، فدب أولئك الثلاثة إِلَى الستة، فصار كل رجلين من الستة يدعوان إِلَى رَجُل من الثلاثة، فلما رأى ذلك حكماؤهم قالوا: قد افترقت كلمتهم وبحضرتكم من لا يتهم فِي حكمه فمن أشار إليه [منكم] [١] سلمتم هَذَا الأمر له، وكان بحضرتهم رجل سائح يقال له أنطونس فِي غار معروف قد تخلى عَنِ الدنيا، فاجتمعت كلمتهم عَلَى الرضا بمن أشار إليه السائح، فوكلوا بالمملكة رجلا من الستة وانطلق الثلاثة إليه يقصون عليه قصتهم، فقال: ما أرى أني انتفعت باعتزالي عَنِ الناس، ومثلي كمثل رجل كان فِي منزل/ غشيه فيه الذباب، فتحول إِلَى منزل فغشيه فيه الأسد، فقالوا: وما عليك أن تشير إِلَى أفضلنا فِي نفسك؟ قَالَ: ما علمي بأفضلكم وأنتم جميعا تطلبون أمرا واحدا، وأنتم فيه سواء. فطمع بعضهم إن هو أظهر الكراهية للملك أن يشير إليه، فَقَالَ: أما أنا فغير منساح لصاحبي هذين [فِي الملك] [٢] ، وإن السلامة لدي لفي اعتزال هَذَا الأمر، قَالَ السائح: ما أظن صاحبيك يكرهان اعتزالك، فأشر إلي بأحدهما وأتركك، قَالَ: بل تختار ما بدا لك، قَالَ: ما أراك إلا قد نزعت عَنْ قولك فصرتم عندي بمنزلة واحد غير أني سأعظكم وأضرب لكم أمثال الدنيا وأمثالكم فيها وأنتم أعلم، فأخبروني هل عرفتم غايتكم من العمر؟ قالوا: لا لعل ذلك يكون طرفة عين، قَالَ: فلم تخاطرون بهذه الغرة؟ قالوا: رجاء طول المدة، قَالَ: كم أتت عليكم سنة؟ قالوا:

أصغرنا ابن خمس وثلاثين، وأكبرنا ابن أربعين، قَالَ: فاجعلوا أطول ما ترجون من العمر مثل سنيكم التي عمرتم [٣] ، قالوا: لسنا نطمع فِي أكثر من ذلك، ولا خير فِي العمر بعد ذلك، قَالَ: أفلا تبتغون فيما بقي من أعماركم ما ترجون من ملك لا يبلى، ونعيم لا يتغير، ولذة لا تنقطع، وحياة لا يكدرها الموت، ولا تنغصها الأحزان ولا الهموم ولا الأسقام؟ قالوا: إنا نرجو أن نصيب ذلك بمغفرة من اللَّه ورحمة، قَالَ: قد كان من أصابه العذاب من القرون الأولى يرجون من الله ما ترجون، و [لا] [٤] يؤملون ما


[١] ما بين المعقوفتين: أضيفت لاستقامة المعنى.
[٢] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، أوردناه من ت.
[٣] في ت: «التي غبرتم» .
[٤] ما بين المعقوفتين: ساقط من الأصل، وأوردناه من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>