للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبات السائب فِي ليلة ظلماء عَلَى ربوة من الأرض يرمق برقا نشأ من قبل الحجاز، ثم استطار حَتَّى بلغ المشرق، فلما أصبح ذهب ينظر إِلَى ما تحت قدميه، فإذا روضة خضراء. فَقَالَ فيما يعتاف: لئن صدق ما أرى ليخرجن من الحجاز سلطان يبلغ المشرق تخصب عنه الأرض كأفضل ما أخصبت عَنْ ملك كان قبله.

فلما اجتمع الحزاة قَالَ بعضهم لبعض: والله ما حيل بينكم وبين علمكم إلا لأمر جاء من السماء وإنه لنبي قد بعث، أو هو مبعوث يسلب هَذَا الملك ويكسره، وإن نعيتم إِلَى كسرى ملكه ليقتلنكم، فأقيموا بينكم أمرا تقولونه فجاءوا كسرى فقالوا له: قد نظرنا هَذَا الأمر فوجدنا حسابك الذين وضعت عَلَى حسابهم طاق ملكك وسكرت دجلة العوراء، ووضعوه عَلَى النحوس وإنا سنحسب لك حسابا، تضع بنيانك فلا يزول، قَالَ: فاحسبوا. فحسبوا له ثم قالوا: ابنه، فبناه. فعمل فِي دجلة ثمانية أشهر، وانفق فيها من الأموال ما لا يدرى ما هو، حَتَّى إذا فرغ قَالَ [لهم:] [١] أجلس عَلَى سورها، قالوا: نعم فأمر بالبسط والفرش والرياحين. فوضعت عليها [وأمر بالمرازبة فجمعوا له، وجمع اللعابون وخرج حَتَّى جلس عليها] [٢] فبينا هو هنالك انشقت دجلة وانهار البنيان من تحته، فلم يستخرج إلا بآخر رمق، فلما أخرج قتل من الحزاة قريبا من مائة، وَقَالَ تلعبون بي؟ قالوا: أيها الملك، أخطأنا كما أخطأ من كان قبلنا ولكنا سنحسب لك حسابا حَتَّى تضعها عَلَى الوفاق من السعود.

قَالَ: انظروا ما تقولون. قالوا: فإنا نفعل، فحسبوا له، ثم قالوا له: ابنه فبنى وأنفق من الأموال ما لا يدرى ما هو ثمانية أشهر، ثم [قَالَ:] [٣] أفأخرج فأقعد؟ قالوا:

نعم. فركب برذونا له وخرج يسير عليها إذ انشقت دجلة بالبنيان، فلم يدرك إلا بآخر رمق، فدعاهم فَقَالَ: والله لأمرن عَلَى آخركم، ولأترعن أكتافكم، ولأطرحنكم تحت أيدي الفيلة أو لتصدقني ما هَذَا الأمر الذي تلفقون به علي؟

قالوا: لا نكذبك، أيها الملك أمرتنا حين انخرقت عليك دجلة وانفصمت طاق


[١] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
[٢] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ت وأثبتناه من ألوفا لابن الجوزي.
[٣] ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>