للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَدِ اجتمع فِي كتابنا هَذَا ذكر الأنبياء، والسلاطين، والأحداث والمحدثين/ وَالْفُقَهَاء والمحدثين، والزهاد، والمتعبدين، والشعراء، والمتأدبين، وَفِي الجملة جميع المتميزين من أَهْل الخير والشر أجمعين، فيحصل بِمَا يذكره مراد المسامر والمحدث، ومقصود الناقل المحدث، فكان هَذَا الكتاب مرآة يرى فِيهَا العالم كُلهُ والحوادث بأسرها إلا أَن يَكُون من لا وقع لَهُ فليس لِذَلِكَ ذكر أَوْ حادثة لا يغنى تحتها ولا وجه لذكرها، وَقَدِ انتقى كتابنا نقي التواريخ كلها، وأغنى من يعنى بالمهم منها عنها، وجمع محاسن الأحاديث والأخبار اللائقة بالتواريخ، وانتخب أَحْسَن الأشعار عِنْدَ ذكر قائلها، وسلم من فضول الحشو ومرذول الْحَدِيث، ومن لَمْ يدخل فِيهِ مَا يصلح حذفه.

وَقَدْ كنت عزمت عَلَى مد النفس فِيهِ بزيادة الأسانيد، وجمع وشرح أخبار الشخص كلها ثُمَّ رأيت أن تخير الأوساط خير من الانبساط، فأخذت فِي كف الكف عَن التطويل، وحذف أَكْثَر الأسانيد لئلا يوجب الطول بحر الكتاب، عَلَى أَنَّهُ كثير بالإضافة إلى قلة الهمم، والله تعالى ملهم الإصابة، ومسعف الإجابة بمنه.

ذكر الدليل عَلَى وجود الخالق سبحانه وتعالى [١]

قَدْ ثبت عِنْدَ العقول السليمة أَن العالم كُلهُ حادث، وكل حادث فلحدوثه سبب، والدليل عَلَى أَن العالم حادث أَن العالم كُل موجود سِوَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ والموجود إِذَا كَانَ متحيزا غَيْر مؤتلف سمي جوهرا فردا فَإِن ائتلف إِلَى غيره سمي جسما. والعرض مَا قام بغيره: كاللون، والطعم، وَهَذِهِ الموجودات لا تخلو من الحوادث، كالحركة والسكون، وكل مَا يخلو من الحوادث حادث.

ومعنى قولنا «حادث» أَنَّهُ وجد بَعْد عدمه، فلا يخلو وجوده قبل أَن يَكُون محالا أَوْ ممكنا، ولا يَجُوز أَن يَكُون محالا، لأن المحال لا يوجد أبدا.

فثبت أَنَّهُ ممكن، والممكن مَا يَجُوز أَن يوجد ويجوز أن لا يوجد، فلا بد


[١] راجع: كنز الدرر للدواداري ١٤، ومرأة الزمان لسبط ابن الجوزي ١/ ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>