للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لوجوده من مرجح لَهُ عَلَى العدم، وَهَذَا أمر ضروري فِي العقل لا نزاع فِيهِ، فظهر منه أَنَّهُ لا بد للموجودات من موجد أوجده.

فَإِن قيل: يبطل هَذَا بالخالق فَإِنَّهُ موجود لا بموجد.

قلنا: الخالق واجب الوجود لَمْ يزل، وَهَذِهِ الأشياء جائزة الوجود وبدت بَعْد عدم فافتقر إِلَى موجد.

ويزيد مَا قلنا إيضاحا فنقول: اعلم أَن الأدلة عَلَى إثبات الصانع بعدد أجزاء أعيان الموجودات كلها، إذ مَا من شَيْء إلا وفيه دليل عَلَى صانعه، وَفِي كُل شَيْء لَهُ آية تَدُل عَلَى أَنَّهُ واحد، وَقَدْ ثبت فِي الأزمان أَنَّهُ لا كتابة إلا بكاتب، ولا بناء إلا ببان.

ومن الدليل عَلَيْهِ نظم العالم وتركيبه وترتيبه وإحكام صنعته، فَإِن تفكرت فِي هذه عَلَى لطف جرمها، كَيْفَ كونت وركبت أعضاؤها، ثم قد ركبت فِيهَا علم مصالحها، واجتناب مضارها، ومناقد أغذيتها، وسمعها وبصرها.

ومن أعجب الأدلة عَلَيْهِ تفاوت الهمم والطباع والصور، فَإِن تكونت بالطبع لتساوت. وَقَدْ أشار عَزَّ وَجَلَّ إِلَى ذَلِكَ، بقوله: يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ في الْأُكُلِ ١٣: ٤ [١] .

فَإِن قَالَ قائل جاهل: منها ومن فعل الطبيعة.

قلنا: إِن كانت حية عالمة قادرة حكيمة فليس خلافنا إلا فِي الاسم، وإن لَمْ يكن عَلَى هذه الأوصاف لَمْ يتصور عَنْهَا فعل محكم.

ومن ألطف الأدلة عَلَى وجوده: وَلَهُ النفوس، وقرع القلوب إِذَا نابت نائبة إِلَيْهِ، والكلام فِي هَذَا المعنى قَدِ استوفي فِي مسائل الأصول، ولما كَانَ هَذَا الكتاب لَمْ يوضع لِذَلِكَ اقتصرنا عَلَى هذه النبذة، وَقَدْ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ... ٥٧: ٣ الآية [٢] .

وَأَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ


[١] سورة الرعد، الآية: ٤
[٢] سورة: الحديد، الآية: ٣

<<  <  ج: ص:  >  >>