للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(أولئك يجزون الغرفة بما صبروا) [الفرقان: ٧٥] ، والصبر بذل النفس والثبات له وقوفاً بين يديه بالقلوب عبودية وهذه صفة المقربين.

وقال في آية أخرى: (ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون) [سبأ: ٣٧] ، فذكر شأن الغرفة، وأنها لا تنال بالأموال والأولاد، وإنما تنال بالإيمان والعمل الصالح، ثم بين أن لهم جزاء الضعف، وأن محلهم الغرفات، يعلمك أن هذا إيمان طمأنينة وتعلق قلب به، مطمئناً به في كل ما نابه، وبجميع أموره وأحكامه، فإذا عمل عملاً صالحاً، فلا يخلطه بضده، وهو الفاسد، فلا يكون العمل الصالح الذ ي لا يشوبه فساد إلا مع إيمان بالغ مطمئن صاحبه بمن آمن وبجميع أموره وأحكامه، والمخلط ليس إيمانه وعمله هكذا، فلهذا كانت منزلته دون غيره". (١)

وأهل الدرجات العاليات يكونون في نعيم أرقى من الذين دونهم، فقد ذكر الله أنه أعد للذين يخافونه جنتين (ولمن خاف مقام ربه جنتان) [الرحمن: ٤٦] ، ووصفهما، ثم قال: (ومن دونهما جنتان) [الرحمن: ٦٢] ، أي دون تلك الجنتين في المقام والمرتبة، من تأمل صفات الجنتين اللتين ذكرهما الله آخراً علم أنهما دون الأوليين في الفضل، فالأوليان للمقربين، والأخريان لأصحاب اليمين، كما قال ابن عباس وأبو موسى الأشعري. (٢)

قال القرطبي: " لما وصف الجنتين أشار إلى الفرق بينهما، فقال في الأوليين: (فيهما عينان تجريان) [الرحمن: ٥٠] ، وقال في الأخريين: (فيهما عينان


(١) التذكرة للقرطبي: ص٤٦٤.
(٢) التذكرة للقرطبي: ص٤٤٠.

<<  <   >  >>