للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقطع أسباب اللبانة والهوى ... عشية جاوزنا حماة وشيزرا

قال بعض الشراح: حماة شيزر قريتان من قرى حمص، ولما وصل أبو عُبيدة إِلى حماة خرجت الروم التي بها إِليه يطلبون الصلحَ، فصالحهم على الجزية لرؤوسهم، والخراج على أرضهم، وجعل كنيستهم العظمى جامعاً، وهو جامع السوق الأعلى من حماة، ثم جدد في خلافة المهدي من بني العباس، وكان على لوح منه مكتوب أنه جدد من خراج حمص، ثم سار أبو عبيدة إِلى شيزر فصالحه أهلها على صلح أهل حماة، وكذلك صالح أهل المعرة، وكان يقال لها معرة حمص، ثم قيل لها معرة النعمان بن بشير الأنصاري، لأنها كانت مضافة إِليه مع حمص في خلافة معاوية، ثم سار أبو عبيدة إِلى اللاذقية ففتحهما عنوة، وفتح جبلة وطرطوس، ثم سار أبو عبيدة إِلى قنسرين وكانت كرسي المملكة المنسوبة. اليوم إِلى حلب، وكانت حلب من جملة أعمال قنسرين، ولما نازلها أبو عبيدة وخالد بن الوليد، كان بها جمع عظيم من الروم، فجرى بينهم قتال شديد انتصر فيه المسلمون، ثم بعد ذلك طلب أهلها الصلح على صلح أهل حمص، فأجابهم على أن يخربوا المدينة، فخربت. ثم فتح بعد ذلك حلب وإنطاكية ومنبج ودلوك وسرمين وتنزين وعزاز، واستولى على الشام من هذه الناحية، ثم سار خالد إِلى مرعش ففتحها وأجلى أهلها وأخربها، وفتح حصن الحدث، وفي هذه السنة لما فتحت هذه البلاد وهي سنة خمس عشرة وقيل ست عشرة، أيس هرقل من الشام وسار إِلى قسطنطينية من إثرها، ولما سار هرقل على نشر من الأرض، ثم التفت إِلى الشام وقال: السلام عليك يا سوريا، سلام لا اجتماع بعده، ولا يعود إِليك رومي بعدها إِلا خائفاً، حتى يولد لولد المشؤوم وليته لم يولد، فأجل فعله فتنته على الروم، ثم. فتحت قيسارية وصبصطية، وبها قبر يحيى بن زكريا، ونابلس واللد ويافا، وتلك البلاد جميعها.

وأما بيت المقدس فطال حصاره، وطلب أهله من أبي عبيدة أن يصالحهم على صلح أهل الشام، بشرط أنْ يكون عمر بن الخطاب متولي أمر الصلح، فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك، فقدم عمر رضي الله عنه إلى القدس وفتحها، واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وفي هذه السنة أعني سنة خمس عشرة، وضع عمر بن الخطاب الدواوين، وفرض العطاء للمسلمين، ولم يكن قبل ذلك، وقيل: كان ذلك سنة عشرين، فقيل له: ابدأ بنفسك. فامتنع وبدأ بالعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرض له خمسة وعشرين ألفاً، ثم بدأ بالأقرب فالأقرب من رسول من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرض لأهل بدر خمسة آلاف خمسة آلاف، وفرض لمن بعدهم إِلى الحديبية وبيعة الرضوان أربعة آلاف أربعة آلاف، ثم لمن بعدهم ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف، وفرض لأهل القادسية وأهل الشام ألفين ألفين، وفرض لمن بعد القادسية واليرموك ألفاً ألفاً، ولروادفهم خمس مائهَ خمس مائة، ثم ثلاثمائة ثلاثمائة ثم مائتين وخمسين مائتين وخمسين.

وكان في هذه السنة أعني سنة خمس عشرة وقعة القادسية، وكان المتولي لحرب الأعاجم فيها سعد بن أبي وقاص، وكان مقدم العجم رستم، وجرى بين المسلمين وبين الأعاجم إِذ ذاك قتال عظيم دام أياماً، فكان اليوم الأول يوم أغواث، ثم يوم غماس، ثم ليلة الهرير، لتركهم الكلام فيها، وإنما كانوا يهرون هريراً حتى أصبح الصباح، ودام القتال إلى الظهيرة، وهبت ريح عاصفة، فأكل الغبار على المشركين فانكسروا، وانتهى القعقاع وأصحابه إِلى سرير رستم، وقد قام رستم عنه، واستظل تحت بغال عليها مال وصلت من كسرى للنفقة، فلما شدوا على رستم هرب، ولحقه هلال بن علقمة، فأخذ برجله وقتله، ثم جاء به حتى رُمي به بين أرجل البغال، وصعد السرير ونادى: قتلت رستم ورب الكعبة، وتمت الهزيمة على العجم، وقتل منهم ما لا يحصى، ثم ارتحل سعد ونزل غربي دجلة، على نهر شير، قبالة مدائن كسرى، وديوانه المشهور، ولما شاهد المسلمون إيوان كسرى، كبروا وقالوا: هذا أبيض كسرى، هذا ما وعد الله ورسوله.

ثم دخلت سنة ست عشرة وأقام سعد على نهر شير إِلى أيام من صفر، ثم عبروا دجلة، وهربت الفرس من المدائن نحو حلوان، وكان يزد جرد قد قدم عياله إِلى حلوان، وخرج هو ومن معه بما قدروا عليه من المتاع، ودخل المسلمون المدائن، وقتلوا كل من وجدوه، واحتاطوا بالقصر الأبيض، ونزل به سعد، واتخذوا إِيران كسرى مصلى، واحتاطوا على أموال من ذهب والآنية والثياب، تخرج عن الإحصاء، وأدرك بعض المسلمين بغلاً وقع في الماء فوجد عليه حلية كسرى، من التاج والمنطقة والدرع، وغير ذلك، كله مكلل بالجوهر، ووجدوا أشياء يطول شرحها. وكان لكسرى بساط طوله ستون ذراعاً في ستين ذراعاً، وكان على هيئة روضة، قد صورت فيه الزهور بالجوهر على قضبان الذهب، فاستوهب سعد ما يخص أصحابه منه، وبعث به إِلى عمر، فقطعه عمر وقسمه بين المسلمين، فأصاب علي بن أبي طالب منه قطعة، فباعها بعشرين ألف درهم.

وأقام سعد بالمدائن، وأرسل جيشاً إلى جلولاء وكان قد اجتمع بها الفرس، فانتصر المسلمون، وقتلوا من الفرس ما لا يحصى، وهذه الوقعة هي المعروفة بوقعة جلولاء، وكان يزد جرد بحلوان، فسار عنها وقصدها المسلمون واستولوا عليها ثم فتح المسلمون تكريت والموصل. ثم فتحوا ما سبذان عنوة، وكذلك قرقيسيا.

وفي هذه السنة أعني سنة ست عشرة للهجرة، قدم جبلة بن الأيهم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فتلقاه جماعة من المسلمين، ودخل في زي حسن، وبين يديه جنائب مقادة، ولبس أصحابه الديباج، ثم خرج عمر إِلى الحج في هذه السنة فحج جبلة معه، فبينما جبلة طائفاً إِذ وطئ رجل من فزازة على إِزاره، فلطمه جبلة فهشم أنفه، فأقبل الفزاري إِلى عمر وشكاه، فأحضره

<<  <  ج: ص:  >  >>