للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقام بالبصرة، فوكل به جماعة، وانحدر إِلى واسط، ثم أمر المعتز بقتل المستعين، وكتب إلى أحمد بن طولون بقتل المستعين، فامتنع أحمد بن طولون عن قتله، وسار أحمد بن طولون بالمستعين إِلى القاطول وسلمه إِلى الحاجب سعيد بن صالح، فضربه سعيد حتى مات، وحمل رأسه إِلى المعتز. فأمر بدفنه، وكانت مدة خلافة المستعين إِلى أن خلع ثلاث سنين وتسعة أشهر وكسراً، وكان عمره أربعاً وثلاثين سنة.

وفي هذه السنة عقد لعيسى بن الشيخ علي الرملة، فأنفذ له نائبا عليها يسمى أبا المعتز، وهذا عيسى شيباني وهو عيسى بن الشيخ بن السليك من ولد جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان، فلما كان من فتنة الأتراك ما كان بالعراق، تغلب ابن الشيخ المذكور على دمشق وأعمالها، وقطع ما كان يحمل من الشام إلى الخليفة، واستبد بالأموال.

وفيها توفي محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى الزمن البصريان وهما من مشايخ البخاري ومسلم في الصحيح.

ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين ومائتين في هذه السنة شغبت الجند بسبب طلب رزق أربعة أشهر، فلم يجبهم وصيف إِلى ذلك، فوثبوا على وصيف وقتلوه، فجعل المعتز كل ما كان إِلى وصيف إِلى بغا الشرابي.

وفي هذه السنة مات محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين. وفي هذه السنة ملك يعقوب الصفّار هراة وبوشنج، وعظم أمره، وهابه أمير خراسان وغيره.

ثم دخلت سنة أربع وخمسين ومائتين. في هذه السنة قتل بغا الشرابي الصغير، تحت الليل، وكان بغا قد خرج من بين أصحابه وجنده، ومعه خادمان له، وقصد الركوب في زورق، فأعلم المتوكلون بالجسر المعتز بخبره، فأمرهم بقتله، فقتلوه وحملوا رأسه إِلى المعتز.

وفي هذه السنة في جمادى الآخرة، توفي علي الهادي؛ وعلي التقي وهو أحد الأئمة الإثني عشر عند الإِمامية، وهو علي الزكي بن محمد الجواد المقدم ذكره في سنة عشرين ومائتين، وكان علي المذكور قد سعى به إِلى المتوكل، أن عنده كتباً وسلاحاً، فأرسل المتوكل جماعة من الأتراك، وهجموا عليه ليلاً على غفلة، فوجدوه في بيت مغلق، وعليه مدرعة من شعر، وهو مستقبل القبلة يترنم بآيات من القرآن، في الوعد والوعيد، ليس بينه وبين الأرض بساط إِلا الرمل، والحصا، فحمل على هيئته إِلى المتوكل، والمتوكل يستعمل الشراب، وفي يده الكأس، فلما رآه المتوكل أعظمه، وأجلسه إلى جانبه، وناوله الكأس، فقال: يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني منه، فأعفاه، وقال: أنشدني شعراً. فقال: إِني لقليل الرواية للشعر. فقال المتوكل: لا بد من ذلك. فأنشده:

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلبَ الرّجالُ فما أغنتهُمُ القلَلُ

واستُزلوا بعد عزٍ عَنْ معاقلِهِم ... فأَودَعوا حُفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهُمُ صارخٌ من بعدما قَبروا ... أين الأسرة والتيجانُ والحلل

أين الوجوهُ التي كانت مُنعَّمة ... منْ دونها تُضرب الأستار والكللُ

<<  <  ج: ص:  >  >>