للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرؤساء إلى قريش من الباب المقابل لباب الحلبة، وسارا معه، فأرسل البساسيري، إلى قريش وقال له: أتخالف ما استقر بيننا وتنقض ما تعاهدنا عليه؟ وكانا قد تعاهدا على المشاركة، وأن لا يستبد أحدهما دون الآخر، ثم اتفقا على أن يسلم رئيس الرؤساء إلى البساسيري لأنه عدوه، ويبقى الخليفة القائم عند قريش، وحمل قريش الخليفة إلى معسكره ببردته والقضيب ولوائه، ونهبت دار الخليفة وحريمها أياماً. ثم سلم قريش الخليفة إلى ابن عمه مهارس، وسار به مهارس والخليفة في هودج إلى حديثة عانة، فنزل بها، وسار أصحاب الخليفة إلى طغرلبك، وأما البساسيري فإنه ركب يوم عيد النحر إلى المصلى بالجانب الشرقي، وعلى رأسه ألوية خليفة مصر، وأحسن إلى الناس، ولم يتعصب لمذهب، وكانت والدة القائم باقية، وقد قاربت تسعين سنة فأفرد لها البساسيري داراً وأعطاها جاريتين من جواريها وأجرى لها الجراية؛ وكان قد حبس البساسيري رئيس الرؤساء فأحضره من الحبس، فقال رئيس الرؤساء: العفو. فقال له البساسيري. أنت قدرت فما عفوت وأنت صاحب طيلسان، وفعلت الأفعال الشنيعة مع حرمي وأطفالي، وكانوا قد ألبسوا رئيس الرؤساء استهزاء به طرطوراً من لبد أحمر، وفي رقبته مخنقة جلود وطافوا به إلى النجمي وهو يقرأ: " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " " آل عمران: ٢٦ " فلما مر رئيس الرؤساء بتلك الحالة على أهل الكرخ بصقوا في وجهه، لأنه كان يتعصب عليهم. ثم ألبس جلد ثور وجعلت قرونه على رأسه وجعل في كفه كلابان من حديد، وصلب وبقي إلى آخر النهار ومات، وأرسل البساسيري إلى المستنصر العلوي بمصر، يعرفه بإقامة الخطبة له بالعراق، وكان الوزير هناك ابن أخي أبي القاسم المغربي وهو ممن هرب من البساسيري فبرد فعل البساسيري وخوف من عاقبته، فتركت أجوبته مدة، ثم عادت بخلاف ما أمله، ثم سار البساسيري من بغداد إلى واسط والبصر فملكهما، وأما طغريل بك فكان قد خرج عليه أخوه إبراهيم ينال، وجرى بينه وبينه قتال، وآخره أن طغريل بك انتصر على أخيه إبراهيم ينال وأسره وخنقه بوتر، وكان قد خرج عليه مراراً وطغريل بك يعفو عنه، فلم يعف عنه في هذه المرة.

عود الخليفة القائم إلى بغداد وقتل البساسيري

وكان ذلك في السنة القابلة سنة إحدى وخمسين، فقدم ذكر هذه الواقعة في هذه السنة لتكون أخبارها متتابعة إلى منتهاها فنقول: إنه لما فرغ طغريل بك من أمم أخيه إبراهيم ينال وقتله، سار إلى العراق لرد الخليفة إلى مقر ملكه، وأرسل إلى البساسيري يقول: رد الخليفة إلى مكانه، وأنا أرضى منك بالخطبة، ولا أدخل العراق، فلم يجب البساسيري إلى ذلك. فسار طغريل بك، فلما قارب إلى بغداد انحدر منها خدم البساسيري وأولاده في

<<  <  ج: ص:  >  >>