للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سار ونازل الشوبك، وهي للفرنج، ثم رحل عنه خوفاً أن يأخذه، فلم يبق ما يعوق نور الدين عن قصد مصر، فتركه ولم يفتحه لذلك، وبلغ نور الدين ذلك فكتمه، وتوحش باطنه لصلاح الدين، ولما استقر صلاح الدين بمصر، جمع أقاربه وكبراء دولته وقال: بلغني أن نور الدين يقصدنا، فما الرأي؟ فقال تقي الدين عمر ابن أخيه: نقاتله ونصده، وكان ذلك بحضرة أبيهم نجم الدين أيوب، فأنكر على تقي الدين ذلك وقال: أنا والدكم، لو رأيت نور الدين نزلت وقبلت الأرض بين يديه، بل اكتب وقل لنور الدين: أنه لو جاءني من عندك إنسان واحد، وربط المنديل في عنقي وجرني إليك، سارعت إلى ذلك.

وانفضوا على ذلك، ثم اجتمع أيوب بابنه صلاح الدين خلوة وقال له: لو قصدنا نور الدين، أنا كنت أول من يمنعه ويقاتله، ولكن إذا أظهرنا ذلك، يترك نور الدين جميع ما هو فيه ويقصدنا، ولا ندري ما يكون من ذلك، وإذا أظهرنا له الطاعة، تمادى الوقت بما يحصل به الكفاية من عند الله، فكان كما قال.

وفي هذه السنة توفي الأمير محمد بن مردنيش صاحب شرقي بلاد الأندلس، وهي مرسية وبلنسية وغيرهما، فقصد أولاده أبا يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، ملك الغرب، وسلموا إليه بلادهم، فسر يوسف بذلك وتسلمها منهم وتزوج بأختهم، وأكرمهم ووصلهم بالأموال الجزيلة، وكان قد قصدهم يوسف المذكور في مائة ألف مقاتل، فأجابوا بدون قتال كما ذكرنا.

وفي هذه السنة عبر الخطا نهر جيحون، فجمع خوارزم شاه أرسلان بن أطسز بن محمد بن أنوش تكين عساكره وسار إلى لقائهم، فمرض خوارزم شاه ورجع مريضاً، وأرسل عسكراً مع بعض المقدمين، فاقتتلوا مع الخطا، وانهزم عسكر خوارزم شاه، وأسر مقدمهم، ورجع الخطا إلى بلادهم بعد ذلك.

وفي هذه السنة اتخذ نور الدين بالشام الحمام الهوادي، وتسئى المناسيب، لنقل البطائق والأخبار. وفيها عزل المستضيء وزيره عضد الدين ابن رئيس الرؤساء مكرهاً، لأن قطب الدين قيماز ألزمه بعزله، فلم يمكنه مخالفته. وفيها مات يحيى بن سعدون بن تمام الأزدي الأندلسي القرطبي، وكان إماماً في القراءة والنحو وغيره من العلوم، توفي بالموصل. وفيها توفي أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد، المعروف بابن الخشاب البغدادي، العالم المشهور في الأدب والنحو التفسير والحديث، وكان متضلعاً من العلوم، وكان قليل الاكتراث بالمأكل والملبس.

وفيها توفي نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن علي بن عبد النور بن قلاقس، الشاعر المشهور، الإسكندري، مدح القاضي الفاضل، وكان كثير الأسفار، سار إلى صقلية في سنة ثلاث وخمسين، ثم عاد وسار إلى اليمن في سنة خمس وستين وخمسمائة، وفي كثرة أسفاره يقول:

الناس كثر ولكن لا يقد لي ... إلا مرافقة الملاح والحادي

ثم دخلت سنة ثمان وستين وخمسمائة في هذه السنة توفي خوارزم شاه أرسلان بن

<<  <  ج: ص:  >  >>