للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصالحي.

وفيها في يوم الخميس في أواخر ذي الحجة من هذه السنة، أعني سنة ستين وستمائة، جلس الملك الظاهر مجلساً عاماً، وأحضر شخصاً كان مد قدم إلى الديار المصرية في سنة تسع وخمسين وستمائة، من نسل بني العباس، يسمى أحمد، بعد أن أثبت نسبه، وبايعه بالخلافة، ولقب أحمد المذكور الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين، وقد اختلف في نسبه، فالذي هو مشهور بمصر عند نسابة مصر، أنه أحمد بن حسن بن أبي بكر ابن الأمير أبي علي القبى ابن الأمير حسن ابن الراشد ابن المسترشد ابن المستظهر، وقد مر نسب المستظهر مع جملة خلفاء بني العباس، وأما عند الشرفاء العباسيين السلمانيين في درج نسبهم الثابت فقالوا: هو أحمد بن أبي بكر علي بن أبي بكر أحمد ابن الإمام المسترشد الفضل ابن المستظهر. ولما أثبت الملك الظاهر نسب المذكور، نزله في برج محترزاً عليه، وأشرك له الدعاء في الخطبة لا غير ذلك.

وفيها جهز الملك المنصور صاحب حماة، شيخ الشيوخ شرف الدين الأنصاري رسولاً إلى الملك الظاهر، ووصل شيخ الشيوخ المذكور، فوجد الملك الظاهر عاتباً على صاحب حماة، لاشتغاله عن مصالح المسلمين باللهو، وأنكر الملك الظاهر على الشيخ شرف الدين ذلك، ثم انصلح خاطره، وحمله ما طيب به قلب صاحبه الملك المنصور، ثم عاد إلى حماة.

وفيها توفي الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام الدمشقي الإمام في مذهب الشافعي، وله مصنفات جليلة في المذهب، وكانت وفاته بمصر رحمه الله تعالى.

وفيها في ذي الحجة، توفي الصاحب كمال الدين عمر بن عبد العزيز المعروف بابن العديم، انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة، وكان فاضلاً كبير القدر، ألف تاريخ حلب، وغيره من المصنفات، وكان قد قدم إلى مصر لما جفل الناس من التتر، ثم عاد بعد خراب حلب إليها، فلما نظر ما فعله التتر من خراب حلب، وقتل أهلها بعد تلك العمارة، قال في ذلك قصيدة طويلة منها:

هو الدهر ما تبنيه كفاك يهدم ... وإن رمت إنصافاً لديه فتظلم

أباد ملوك الفرس جمعاً وقيصراً ... وأصمت لدى فرسانها منه أسهم

وأفنى بني أيوب مع كثر جمعهم ... وما منهم إلا مليك معظم

وملك بني العباس زال ولم يدع ... لهم أثراً من بعدهم وهم هم

وأعتابهم أضحت تداس وعهدها ... تباس بأفواه الملوك وتلثم

وعن حلب ما شئت قل من عجائب ... أحل بها يا صاح إن كنت تعلم

ومنها:

فيا لك من يوم شديد لغامه ... قد أصبحت فيه المساجد تهدم

وقد درست تلك المدارس وارتمت ... مصاحفها فوق الثرى وهي ضخم

<<  <  ج: ص:  >  >>