للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مماليك مولانا السلطان خمس وثلاثون إلى الخندق، وسقط غيرهم من أهل الكرك، ولم يهلك من المماليك غير شخص واحد، لم يكن من الخواص، ونزل في الوقت مولانا السلطان، خلد الله تعالى ملكه، عند الباب، وأحضر الجنوبات والجبال، ورفع الذين وقعوا عن آخرهم، وأمر بمداواتهم، فصلحوا وعادوا إلى ما كانوا عليه في مدة يسيرة، وكان ذلك من عنوان سعادة مولانا، جعلها الله تعالى خارقة للعوائد. فإن ارتفاع الجسر الذي سقطوا منه إلى الخندق، يقارب خمسين ذراعاً.

ولما استقر مولانا السلطان بقلعة الكرك، أمر جمال الدين أقوش، نائب السلطنة بها، والأمراء الذين حضروا في خدمته، بالمسير إلى الديار المصرية، وأعلمهم أنه جعل السفر إلى الحجاز وسيلة إلى المقام بالكرك، وكان سبب ذلك استيلاء سلار وبيرس الجاشنكير على المملكة، واستبدادهما بالأمور، وتجاوز الحد في الانفراد بالأموال، والأمر والنهي، ولم يتركا لمولانا السلطان غير الاسم، مع ما كان منهما من محاصرة مولانا السلطان في القلعة، وغير ذلك مما لا تنكمش النفس منه، فأنف مولانا السلطان خلد الله ملكه من ذلك، وترك الديار المصرية وأقام بالكرك، ولما وصلت الأمراء إلى الديار المصرية، وأعلموا من بها بإقامة السلطان بالكرك، وفراقه الديار المصرية، اشتوروا فيما بينهم، واتفقوا على أن تكون السلطنة لبيبرس الجاشنكير، وأن يكون سلار مستمراً على نيابة السلطنة كما كان عليه، وحلفوا على ذلك، وركب بيبرس الجاشنكير من داره بشعار السلطنة إلى الإيوان الكبير بقلعة الجبل، وجلس على سرير الملك في يوم السبت الثالث والعشرين من شوال هذه السنة، أعني سنة ثمان وسبعمائة، وتلقب بالملك المظفر ركن الدين بيبرس المنصوري، وأرسل إلى نواب السلطنة بالشام فحلفوا له عن آخرهم، وكتب تقليداً لمولانا السلطان بالكرك، ومنشوراً بما عينه له من الإقطاع بزعمه، وأرسلهما إليه، واستقر الحال على ذلك حتى خرجت هذه السنة.

وفيها ملك الفرنج الاستبتار جزيرة رودس، وأخذتها من الأشكري صاحب قسطنطينية، وصعب بسبب ذلك على التجار الوصول في البحر إلى هذه الديار، لمنع الاستبتار من يصل إلى بلاد الإسلام.

وفيها أرسل صاحب تونس أبو حفص عمر، أسطولاً وعسكر إلى جزيرة جربة، وهي جزيرة في البحر الرومي، ومسيرتها من قابس يوم واحد، ولهذه الجزيرة مخاضة إلى البر، ودور هذه الجزيرة ستة وسبعون يوماً، وكانت بأيدي المسلمين، فتغلب عليها الفرنج وملكوها في سنة ثمانين وستمائة، فلما كانت هذه السنة، أرسل إليهم صاحب تونس عسكراً وقاتلهم، فاستنجد أهل هذه الجزيرة بفرنج صقلية، فلما وصل أسطول صقلية إليهم، عاد أسطول صاحب تونس إليه، ولم يتمكنوا من فتحها.

وفيها مات الأمير خضر ابن الملك الظاهر بيبرس، بباب القنطرة، وكان المذكور قد جهزه السلطان الملك الأشرف خليل ابن السلطان الملك المنصور قلاوون، إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>