للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في وسط الرجالة وأخذوا رماحهم وصاحوا صيحة الرجل الواحد، وفرج لهم رجالتهم وحملوا حملة واحدة من الجوانب كلها، فحملت طائفة على الميمنة وطائفة على الميسرة وطائفة على القلب، فاندفع الناس بين أيديهم، واتفق أني كنت في القلب ففر القلب فراراً عظيماً، فنويت التحيز إلى الميسرة وكانت أقرب إليّ، ووصلتها وقد انكسرت كسرة عظيمة وفرت أشدّ فرار من الكل، فنويت التحيز إلى طلب السلطان وكان ردأ الأطلاب كلها كما جرت العادة، ولم يبق للسلطان فيه إلاّ سبعة عشر مقاتلا لا غير، وأخذ الباقون إلى القتال لكن الأعلام كلها باقية ثابتة والكؤوس تدق لا تفتر، وأما السلطان لما رأى ما نزل بالمسلمين من هذه النازلة سار حتى أتى إلى طلبه، فوجد فيه هذا النفر القليل، فوقف فيه والناس ينفرون من الجوانب وهو يأمر أصحاب الكؤوس بالدق بحيث لا يفترون، وكلما رأى فارّاً يأمر من يحضره عنده، وفي الجملة ما قصر الناس بفرارهم فإن العدو حمل حملة ففروا ثم وقف خوفاً من الكمين، فوقفوا وقاتلوا، ثم حمل حملة ثانية ففروا وهم يقاتلون في فرارهم، ثم وقف فوقفوا، ثم حمل حملة ثالثة حتى بلغ إلى رؤوس روابٍ هناك وأعالي تلول ففرّوا إلى أن وقف العدو ووقفوا، وكان كل من رأى طلب السلطان واقفاً والكؤوس تدق يستحي أن يجاوزه ويخاف غائلة ذلك فيعود إلى الطلب، فاجتمع في القلب خلق عظيم، ووقف العدو قبالتهم على رؤوس التلول والروابي والسلطان واقف في طلبه، والناس يجتمعون عليه حتى أتت العساكر بأسرها، وخاف العدو أن يكون في الشعرا كمين، فتراجعوا يطلبون المنزلة، وعاد السلطان إلى تل في أوائل الشعرا ونزل عليه في خيمته. ولقد كنت في خدمته أسليه وهو لا يقبل

<<  <   >  >>