للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليد والقدم والساق والوجه: صفات حقيقية لله (١) ، وأنه مستوٍ على العرش بذاته (٢)

، فقيل: يلزم من ذلك التحيز والانقسام، فقال: إنا لا نسلم أن التحيز والانقسام من خواص الأجسام، فألزم بأنه يقول بتحيز في ذات الله تعالى.

ومنهم من نسبه إلى الزندقة لقوله: النبي صلى الله عليه وسلم لا يُستغاث به، وأن في ذلك تنقيصًا ومنعًا من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أشد الناس عليه في ذلك النور البكري (٣) ، فإنه لما عقد له المجلس بسبب ذلك قال بعض الحاضرين: يعزر، وقال البكري: لا معنى لهذا القول فإنه إن كان تنقيصًا يقتل، وإن لم يكن تنقيصًا لم يعزر.

ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علي ما تقدم، ولقوله: إنه كان مخذولاً حيثما توجه، وأنه حاول الخلافة مرارًا ولم ينلها،


(١) قال ابن جرير رحمه الله في التبصير في معالم الدين ص ١٤١: ((فنثبت كل هذه المعاني التي جاءت بها الأخبار والكتاب والتنزيل على ما يُعقل من حقيقة الإثبات وننفي عنه التشبيه)) ، وجاء في الاعتقاد القادري الذي كتبه أمير المؤمنين القادر بالله سنة ٤٣٣هـ - كما في المنتظم لابن الجوزي في حوادث سنة ٤٣٣ هـ -، ووقع عليه علماء ذلك الوقت وأُرسل إلى البلدان: ((وكل صفة وصف بها نفسه، أو وصفه بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - فهي صفة حقيقية لا صفة مجاز)) . وانظر: بيان تلبيس الجهمية (١ / ١٨٣ ط: المجمع) .
(٢) قال المزني رحمه الله في أصول السنة ص ٧٥: ((عال على عرشه في مجده بذاته)) وقال حاكياً الإجماع على ذلك وغيره: ((هذه مقالات وأفعال اجتمع عليها الماضون الأولون من أئمة الهدى وبتوفيق الله اعتصم بها التابعون قدوة ورضى)) ، وقد نقل كذلك إثبات أئمة السلف على علو الله تعالى بذاته سبحانه أبو نصر السجزي في كتابه الإبانة كما نقل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (١ / ١٦٧ - ١٦٨ ط: المجمع) ، والذهبي في العلو (ص ٢٤٩ ط: أضواء السلف) ، ويقول ابن أبي زيد القيرواني في مقدمة رسالته (ص ٧٤ مع شرح الشيخ عبد المحسن العباد) : ((وأنه تعالى فوق عرشه المجيد بذاته)) ، وقد تقدم في حاشية سابقة الكلام على لفظة التحيز، والله أعلم.
(٣) لقد تجاوز تعصب البكري مجرد الكلام إلى أنه قام مع جماعة من الغوغاء إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عام ٧١١ هـ وتفردوا بالشيخ وضربوه فاستفرد به البكري ووثب عليه ونتش أطواقه، وثار بسبب ذلك فتنة وجاء الجند للشيخ رحمه الله للانتصار له فلم يجبهم، فلما أكثروا في القول قال لهم: ((إما أن يكون الحق لي، أو لكم، أو لله، فإن كان الحق لي فهم في حل منه، وإن كان لكم فإن لم تسمعوا مني ولا تستفتوني فافعلوا ما شئتم، وإن كان الحق لله فالله يأخذ حقه إن شاء كما يشاء)) . انظر: البداية والنهاية ١٤ / ٧٦، العقود الدرية لابن عبد الهادي ص ٢٨٦، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب ٢ / ٤٠٠.
وقال ابن كثير: ((استحضر السلطان إلى بين يديه الفقيه نور الدين علي البكري وهم بقتله، شفع فيه الأمراء فنفاه ومنعه من الكلام في الفتوى والعلم، وكان قد هرب لما طلب من جهة الشيخ تقي الدين بن تيمية فهرب واختفى، وشفع فيه أيضا، ثم لما ظفر به السلطان الآن وأراد قتله شفع فيه الأمراء فنفاه ومنعه من الكلام والفتوى، وذلك لاجترائه وتسرعه على التكفير والقتل والجهل الحامل له على هذا وغيره)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>