للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقائق الفلسفية والتاريخية.

على أننا نقول: إن كلاًّ من عمر وعلي رضي الله عنهما من أفراد البشر الممتازين بالعبقرية العليا، فعمر جدير بأن يفهم في الزمن القصير من القرآن والسنة ما لم يفهمه غيره في الزمن الطويل، وهو الذي شهد له الرسول بأنه من المحدَّثين (بفتح الدال المشددة) أي الملهمين المفهَّمين من الله تعالى (١) ، وبأن الله جعل الحق على لسانه وقلبه، وهو هو الذي نزل القرآن مرارًا موافقًا لرأيه وقال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو كان بعدي نبي لكان عمر) رواه أحمد [٤ / ١٥٤] ، والترمذي [٣٦٨٦] وحسنه، والحاكم وصححه [٣ / ٨٥] وأقره الذهبي (٢)

، وكان في شبابه صاحب سفارة قريش وعمدتهم في المفاخرة والمنافرة (٣) ، فلولا أنه من أحفظهم وأفصحهم وأقواهم حجة لما ولّوه ذلك، فإذا كان قد سبقه أربعون رجلاً إلى الإسلام فلا يمكن لمن يفضل عليًّا وأبا بكر عليه في علمهما أن يفضل عليه باقي الأربعين، والتفاضل بين الثلاثة أنفسهم لا يسهل أن يثبت بقياس برهاني؛ وإنما الدلائل القطعية في فضائل عمر وعلي هي ما ثبت بالتواتر من سيرتهما العملية التي لا تحتمل التأويل.


(١) ومع هذا فالصِّدِّيق أكمل منه؛ فإن الصديق رضي الله عنه لا يتلقى إلا عن النبي والنبي معصوم والمحدث كعمر يأخذ أحيانا عن قلبه ما يلهمه ويحدث به، لكن قلبه ليس معصوما فعليه أن يعرض ما ألقي عليه على ما جاء به الرسول، فإن وافقه قبله، وإن خالفه رده؛ ولهذا قد رجع عمر عن أشياء وكان الصحابة يناظرونه ويحتجون عليه فإذا بينت له الحجة من الكتاب والسنة رجع إليها وترك ما رآه، والصديق إنما يتلقى عن الرسول لا عن قلبه فهو أكمل من المحدث، وليس بعد أبي بكر صديق أفضل منه ولا بعد عمر محدث أفضل منه. انظر: الرد على المنطقيين (ص ٥١٤ ط: المعرفة) .
(٢) والظاهر أن الصواب ضعف الحديث؛ ففيه مشرح بن هاعان وقد قال عنه ابن حبان في " المجروحين " (٣/٢٨) : ((يروي عن عقبة بن عامر أحاديث مناكير، لا يتابع عليها، والصواب في أمره: ترك ما انفرد من الروايات، والاعتبار بما وافق الثقات)) ، وهذا الحديث مما انفرد به مشرح عن عقبة رضي الله عنه، وأما متابعة يحيى بن كثير الناجي، عن ابن لهيعة، عن أبي عشانة، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه فإنها متابعة ضعيفة وقد اضطرب فيها راويها حيث رواها تارةً عن مشرح وتارة عن أبي عشانة، كما أن الإمام أحمد قد سئل عن هذا الحديث، فقال كما في منتخب العلل: ((اضرب عليه؛ فإنه عندي منكر)) .
(٣) انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (٣ / ١١٤٥) ، تاريخ ابن عساكر (٤٤ / ٢٥٨ - ٢٥٩) ، تهذيب الكمال للمزي (٢١ / ٣٢٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>