للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن ذو وجوه) (١) يعني أنهم يتأولونه بغير المراد منه، وأما السنة بمعنى السيرة العملية فلا يمكن تأويلها (٢) ، ولكن الشيعة لا يحتجون بها.

٣ - من أصول الدين المهمة (٣)

عندهم مسألة الإمامة العظمى ويزعمون أن ثبوتها بالنص كما صرَّح به هو وغيره وأن النبي صلى الله عليه وسلم نص في يوم (غدير خم) على إمامة علي عليه السلام ووصى له بها، وأن جمهور الصحابة عصوا نبيهم وخالفوا عن أمره حبًّا في الرياسة فجعلوها باختيار أهل الحل والعقد، ولما كان الزعيمان الأكبران الأعظمان في الصحابة أبو بكر وعمر (رضي الله عنهما) هما اللذين استأثرا بهذا الأمر كانا أعدى أعدائهم، وكان من شعارهم لعنهما ويلقبون الأول بالعجل والثاني بالسامري (٤) .

بل صرَّح بعض علمائهم بأنهما قد ارتدا عن الإسلام هما وجمهور الصحابة الذين وافقوهم، وزعموا أن عليًّا كرَّم الله وجه لم يبايعهما إلا تقية وحاشا بطل الإسلام أشجع الشجعان وأزهد الزهاد من هذا النفاق المسمى بالتقية، وأنت ترى هذا الرافضي وأمثاله من غلاة الشيعة لا يطلقون الترضي عن الصحابة بل يقيدونه بمثل قوله في أول


(١) أخرجه ابن سعد في الطبقة الخامسة من الصحابة في كتاب الطبقات من طريق الواقدي وهو متروك (برقم: ٩١، ٩٢ مطبوعة على الآلة الكاتبة، بتحقيق د. محمد بن صامل السلمي) .
(٢) يؤخذ بعين الاعتبار أن عليا رضي الله عنه قد وجه هذه الكلمة إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حين هَمَّ بإرساله لمحاورة الخارجين عليه، فنبهه إلى أنهم قوم محدودو المدارك يشتبه عليهم مفهوم الآي، فيدخلون في جدال لا محصول له، وإنما عليه أن يكيف أسلوبه معهم وفق مستواهم عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله ... )) .
ومعلوم أن الشرارة الأولى في خروج هؤلاء على عَلِيّ كانت إنكارهم قبوله التحكيم في موضع الخلاف بينه وبين معاوية، أخذا منهم بظاهر قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّه} ومن ثَمّ رفعوا شعارهم القائل: "لا حكم إلا لله".. واعتبروا كل خارج عليه من الكافرين. ومن أجل ذلك كان توجيه علي لابن عمه أن يأخذهم بمنطق السنة المفصلة لمجمل القرآن، لعلمه أن حجتهم الوحيدة في رفض التحكيم هي تقيُّدهم بحرفية النص، وعجزهم عن الإحاطة بمضمونه الفقهي العام.
(٣) تعليق مهم غاية: أصول الدين هي أساسيات وأركان الإيمان، كالمذكورة في حديث جبريل الطويل: ((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه..)) إلخ، وهذه الأمور المذكورة في الحديث زيادة على كونها واردة في الحديث فإنها قد وردت في القرآن الكريم بنصوص صريحة متكررة، ومعنى النص الصريح أي: أنه لا يحتاج لمعرفة المعنى المراد منه إلى غير النص نفسه فقط، فإن احتاج لمعرفة معناه من خلال رواية - مثلاً - كان النص الصريح هو الرواية وليست الآية، فالأصل الواحد من أصول الإيمان عند أهل السنة والجماعة ثبت بنص قرآني قطعي محكم، مستغنٍ عن الشرح والتفصيل، والاستنباط والتفسير والتأويل، والرواية والحديث، وكل تدخل بشري آخر، وأما الفروع والتفصيلات التي تندرج تحت ذلك الأصل فقد تكون مذكورة في القرآن وقد تكون مذكورة في السنة.
وأما الشيعة الاثنى عشرية فلم يجدوا نصاً واحداً صريحاً على أصل (الإمامة) التي جعلوها أعظم من النبوة، والتي يراد بها: ((اختصاص اثنا عشر رجلاً من أهل البيت بأحقية الخلافة أو الرئاسة والقيادة العليا للأمة)) بحيث يكون منازعهم في ذلك (طاغوتاً) ، ويكون منكرها (مسلماً في الدنيا - على خلاف في ذلك عندهم -، وكافراً في الآخرة) ، وكل الآيات التي استدلوا بها على هذا الأصل ليست صريحة، وإنما اعتمدوا فيها على روايات - بغض النظر عن صحتها- أو استنباطات لم ترد في صريح النص ولنتأمل هذه الآيات:

قوله تعالى {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفاً وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيرا} ، وقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ... - إلى قوله تعالى: - إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكواة وهم راكعون. ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون. يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء..} ، وقوله تعالى {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} ، وقوله تعالى {ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} ، وقوله تعالى {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} .
فتأمل كيف أن جميع هذه الآيات ليس فيها نص صريح على هذا الأصل الكبير عند الإمامية (والذي يفوق الإيمان بالنبوة!) ، وكيف أن الإمامية لا يستطيعون إثبات هذا الأصل من خلال نص قرآني صريح!
(٤) انظر مثل هذه الأوصاف في: كتاب سليم بن قيس" ص٩١، ٩٢ ط بيروت، الشهاب الثاقب في معنى الناصب ليوسف البحراني ص٢٠٢

<<  <  ج: ص:  >  >>