للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأتباعهم من الروافض بشبهة تنزيه الله تعالى عن التجسيم والتشبيه.

وكان أبو الحسن الأشعري من المعتزلة المتأولين ثم رجع عن أشهر قواعد الاعتزال واتبع فيها أهل السنة، وظل على ما اعتاد من بعض تأويلات الاعتزال حتى صفا له مذهب أهل السنة من الشوائب ورجع إلى مذهب السلف كما صرَّح به في آخر كتابه المسمى بالإبانة (١) ، ولكن عدوى التأويل المبتدع سرت إلى كبار النظار من أتباعه فجرى لبعض أساطينهم ما جرى له من رجوعهم إلى مذهب السلف في أواخر أعمارهم، أو قبل ذلك كما جرى للإمام الجويني (٢)

والإمام الغزالي (٣) وغيرهما من المتقدمين ولشيخنا الأستاذ الإمام من المتأخرين.

وأما شبهة المبتدعة المتأولين فهي تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه التي يعبرون عنها في تأويل بعض الصفات بالتجسيم والتحيز وغيرهما من لوازم الأجسام فبهذه الشبهة عطَّلوا أكثر صفات الله تعالى حتى صارت عندهم في حكم العدم.

والسلف الصالح أعلم منهم بمعاني النصوص، وبما يجب الإيمان به وأشد


(١) وتقريرات أبي الحسن الأشعري رحمه الله والمسائل التي أوردها وسياق الحجج في هذا الكتاب - أعني الإبانة - مطابق لما هو موجود في كتابيه " مقالات الإسلاميين " و"رسالة إلى أهل الثغر ". وانظر: الأشاعرة في ميزان أهل السنة للشيخ فيصل قزار الجاسم.
(٢) قال أبو جعفر بن أبي علي الحافظ: ((سمعت أبا المعالي الجويني وقد سئل عن قوله {الرحمن على العرش استوى} فقال: (كان الله ولا عرش ... ) وجعل يتخبط في الكلام، فقلت: قد علمنا ما أشرت إليه، فهل عندك للضرورات من حيلة؟
فقال: ما تريد بهذا القول وما تعني بهذه الإشارة؟
فقلت: ما قال عارف قط يا رباه إلا قبل أن يتحرك لسانه قام من باطنه قصد لا يلتفت يمنة ولا يسرة يقصد الفوق، فهل لهذا القصد الضروري عندك من حيلة؟ فنبئنا نتخلص من الفوق والتحت؟
وبكيت وبكى الخلق فضرب الأستاذ بكمه على السرير وصاح: ياللحيرة وخرق ما كان عليه وانخلع وصارت قيامة في المسجد ونزل ولم يجبني إلا: يا حبيبي الحيرة الحيرة! والدهشة الدهشة!

فسمعت بعد ذلك أصحابه يقولون: سمعناه يقول: حيرني الهمداني)) . انظر: العلو للعلي الغفار للحافظ الذهبي رحمه الله، وقد نقل العالم العامل أحمد بن إبراهيم الواسطي - تلميذ شيخ الإسلام رحمهما الله - في (النصيحة في صفات الرب جل وعلا) رسالة الإمام الجويني التي وصف فيها وصفا دقيقا تحيره وتردده في مرحلة من مراحل حياته العلمية بين اتباع السلف وبين اتباع علماء الكلام في عصره وهي من مطبوعات المكتب الإسلامي.
(٣) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((والمقصود هنا أن كتب أبى حامد وإن كان يذكر فيها كثيرا من كلامهم الباطل - يعني الفلاسفة -، أما بعبارتهم أو بعبارة أخرى فهو في آخر أمره يبالغ في ذمهم، ويبين أن طريقهم متضمنة من الجهل والكفر ما يوجب ذمها وفسادها أعظم من طريقة المتكلمين، ومات وهو مشتغل بالبخاري ومسلم)) . الرد على المنطقيين ص ١٩٨
وهناك من أهل العلم من يشكك في تراجعه، لذا أحب أن أنقل كلمة للشيخ المربي محمد إسماعيل المقدم حيث يقول حفظه الله معلقا على هذه المسألة: ((إن تذوق العلم وحده هو الذي يستطيع أن يعودنا الاحترام الواجب لأهل العلم، بحيث نصل معه لدرجة نقدر فيها العلم الذي عندهم، ونغفر لهم الخطأ الذي وقعوا فيه دون أن يعتبر خطأهم غلاً في أعناقهم , نأخذ ما أصابوا فيه، ونتجنب ما أخطأوا فيه، دون أن نجعل خطأهم انتقاصًا لهم ودون أن نجعل صوابهم عصمة لهم)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>