للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورحمتهم فيما بينهم كما أن علمه تعالى ليس كعلمهم - فهذا هو اعتقاد المسلمين المؤمنين الذين يتلقون دينهم من كتاب ربهم ومما صح عن رسوله إليهم صلى الله عليه وسلم إثباتًا ونفيًا، من غير تحكيم للأهواء والبدع بشبهة قياس الخالق على المخلوق والرب على العبد.

ومثل ذلك إثبات صفة العلو والفوقية له تعالى فقد سمى الله تعالى نفسه:

{العَلِيُّ الكَبِيرُ} (الحج: ٦٢) فيقول سلف الأمة الصالح: إن علوه تعالى على جميع خلقه ليس كعلو رأس الإنسان على جثته ولا علو من في الغرفة على من في أسفل الدار، كما يقولون مثل ذلك في اسمه الكبير والعظيم أي أنه ليس بمعنى كبر الأجسام وعظمتها ككون الجبل أكبر من الصخرة مثلاً، وقد شرحنا هذه المسألة عن طريق العقل والنقل والعلم الكوني مرارًا، وأثبتنا أن العلو الحسي بين الأجسام أمر نسبي ليس له حقيقة ثابتة، فكيف نستنبط من لوازمه ما نعطل به صفة الله التي وصف بها نفسه في الآيات والأحاديث الصحيحة التي أخذها السلف الصالح فالتسليم من غير جدل ولا تعطيل (١) ولا تأويل، وقد سبق إلى ذلك شيخ


(١) تنبيه مهم: إن أهل السنة عندما يطلقون لفظ التعطيل فإنهم لا يريدون أنه تعطيل اللفظ عن معنى؛ لأنه لا بُد أن يُحمل على معنى ما فلا يكون عطله عن جميع المعاني، وإنما عطَّل الصفة التي دل عليها النص، وعطله عن معناه المفضول المفهوم. " جامع المسائل لشيخ الإسلام، مجموعة ٥ ص ٧٠ "
فمثلاً قد وردت صفة " اليد " في غير ما موضع من الكتاب والسنة، يقول الترمذي صاحب السنن في سننه: (فتأولت الجهمية هذه الآيات - التي وردت في صفة اليد لله تعالى - ففسروها على غير ما فسر أهل العلم وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد ههنا القوة) .
ووجه الدلالة من كلامه ههنا: أن الجهمية لم يعطلوا اللفظ عن معنى، وإنما عطلوا الصفة التي دل عليها النص، ومع ذلك فإنهم يوصفون بأنهم معطلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>