للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفسي، وحقيقته معنًى قائم بنفسه، وإن اختلفت عنه العبارة كالعربية والعجمية، واختلافها لا يدل على اختلاف المُعَبَّر عنه، والكلام النفسي هو ذلك المُعَبَّر عنه. (١)

وأثبتت الحنابلة أن الله تعالى متكلم بحرف وصوت: أما الحروف فللتصريح بها في ظاهر القرآن، وأما الصوت فمن منع قال: إن الصوت هو الهواء المنقطع المسموع من الحنجرة، وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر، وصفات الرب بخلاف ذلك، فلا يلزم المحذور مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه، وأن يجوز أن يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه.

وقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة سألت أبي عن قوم يقولون: لمَّا كلم الله موسى ولم يتكلم بصوت؟ فقال لي أبي: بل تكلم بصوت، هذه الأحاديث تروى كما جاءت (٢) ، وذكر حديث ابن مسعود وغيره) اهـ.

فهذه النُّقُول من أحفظ الحفاظ صريحة في أن إثبات هذا الصوت لكلام الله المُنَزَّه عن مشابهة أصوات الخلق هو مذهب


(١) الخلاف بين الأشاعرة وبين المعتزلة في هذه المسألة خلاف لفظي، فإن المعتزلة لم يتطرقوا إلى الكلام النفسي حتى يقولوا إنه مخلوق، وإنما أطلقوا القول بأن ((القرآن مخلوق)) ، وعلى من قال خلاف ذلك أن يدلنا أين قالت المعتزلة إن كلام الله -الذي يسميه الأشاعرة (الكلام النفسي) - مخلوق؟!
فالأشاعرة يقولون إن القرآن الذي بين أيدينا هو عبارة ومعنى عن القرآن وأما ألفاظ القرآن المتلوة فهي من جبريل وليست من الله، إلا أنه قد يكون من الفروق بين المعتزلة وبين الأشاعرة في هذه المسألة أن الأشاعرة ينصحون بكتمان هذا القول عن عوام الناس فيقول البيجوري في جوهرة التوحيد ص ٧٢: ((يمتنع أن يقال: إن القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم)) .
(٢) السنة لعبد الله بن أحمد (١ / ٢٨٠ - ٢٨١) المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة (١ / ٣٠٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>