للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وذلك لأن من آمن بالله الخالق عن طريق النظر الفكري في آثار صنعته في الكون وفي الأنفس، فإنه لا بد أن يهتدي إلى كمال صفاته جلَّ وعلا، ومنها علمه وقدرته وحكمته وعدله، وهذه الصفات لا بد أن تهدي الباحث المؤمن بالله إلى أن الله لم يخلق هذا الكون وما فيه ليكون مسرحية من مسرحيات اللعب أو اللهو والعبث الباطل، وإنما خلقه لغاية، يعرف الإنسان في حدوده من هذه الغاية، أن الله قد خلقه مزوداً بخصائصه ليمتحنه في ظروف هذه الحياة الدنيا، وليبلو إرادته، ولكل امتحان نتيجة وغاية، وإذ لم تظهر هذه النتيجة والغاية في ظروف هذه الحياة الدنيا، فلا بد أن يكون العليم القادر الحكيم العدل قد ادَّخر إظهار هذه النتيجة والغاية وتحقيق مقتضياتهما إلى حياة أخرى، هذا ما توجبه نظرياً مقتضيات العقل السليم والفهم المستقيم.

فلولا ترتيب يوم الدين هذا في هذا الوجود، لكان خلق هذا الكون وفق ظروفه الحالية مظهراً من مظاهر اللعب أو اللهو والعبث الباطل.

لكن الله العليم الحكيم القادر لا بد أن يكون منزهاً عن اللهو واللعب والعبث، إن أعماله كلها هادفة لحكم عظيمة وغايات جليلة، قد ندرك طرفاً منها ويخفى عنا منها الكثير.

ولذلك رأينا في النصوص القرآنية أن الله تبارك وتعالى قد نفى عن أفعاله اللهو واللعب، فذلك لا يليق بكمال صفاته سبحانه.

فحينما يجعل الفيلسوف الملحد (برتراند رسل) هذا الكون كله مسرحية من مسرحيات اللهو والعبث، فإنما يخالف في ذلك مقتضيات المنطق السليم والجدية المهيمنة على هذا الكون، وقد جره إلى ذلك إنكاره وجود الخالق، واعتباره الكون كله ظاهرة للحركة العشوائية التي قامت بها مادة الكون الأولى في سحيق الأزمان، وأنتج ذلك عنده أنه ليس لهذا الكون غاية مرسومة، ولا حكمة مقدَّرة، وأنه عبث من عبث المادة التي لا حياة فيها. ونسي أنه لا شيء في هذا الكون المدروس متسم باللعب واللهو والعبث، وأن كل شيء فيه خاضع لقوانين جادة صارمة، ولسنن ثابتة قاسية.

<<  <   >  >>