للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عنده، ولا ريب أن النار بطبيعتها وجوهرها تحتل مرتبة أسمى وأرفع في هذا الترتيب من المرتبة التي يحتلها الصلصال. بعبارة أخرى تنطوي مفاضلة إبليس بين جوهره وبين جوهر آدم على نظرة فلسفية معينة لنظام الكون وترتيب الطبائع وفقاً لدرجات الكمال التي تتصف بها. لذلك كان إبليس على حق في جوابه، لأن الخالق جعل الأشياء على ما هي عليه من درجات الكمال والسموّ، وأمر السجود لآدم يشكل مخالفة صريحة لهذا النظام وخروجاً على الترتيب الذي شاءه الله وأوجده. فإذا كان جوهر إبليس أرفع في سلم الكمالات من جوهر آدم فلن تستطيع النار عندئذٍ أن تذل للصلصال إلا بالسير في اتجاه مضاد لطبيعتها ومنافٍ لدرجة الكمال التي أسبغها الله عليها، وهذا أمر محال ما لم يطرأ تحول جذري على المشيئة الإلهية فتغير ترتيب الطبائع عما كانت عليه منذ أن أوجدها الله ".

هذه الحجة الإبليسية التي شرحها (د. العظم) منقوضة من عدة وجوه واقعية وفلسفية، وليس لها سند إلا الكبر العنصري.

أولاً: من أين له بأن يحكم حكماً قاطعاً للنار المتلفة المحرقة بأنها أرفع عنصراً من الماء والتراب المنبتين المخصبين اللذين فيهما الخير الكثير، وهما مادة لحياة فيها كمال عجيب، وهما وفق نظرية النشوء والارتقاء التي يعتقدها اتباعاً للداروينية يقعان في درجة أرقى وأرفع من الدرجة التي تحتلها النار، لأن الأرض كانت ناراً فبردت صارت على ما هي عليه بعد أن مرت بدرجات ارتقائية متعددة، فكان منها الحيوان ثم كان منها الإنسان.

فأين منزلة النار من التراب على هذا وفق مذهبه؟

ثانياً: هل العبر بأصل العنصر، أم العبرة بما نتج عنه وخلق منه وظهر فيه؟

أهان على سيادته أن يهدم كل مذهبه الديمقراطي لأن ذلك يخدم في نظره معارضة الدين فيما جاء فيه من مفاهيم وحقائق، فأخذ يؤيد الأرستقراطية الطبقية العنصرية؟

هذا مع أن الإنسان بعد تكوينه من الطين ظهر أنه أسمى في خصائصه

<<  <   >  >>