للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

هذا كلام يخدع بظاهره، ولكنه يتضمن مفاهيم فاسدة مأخوذة من مفاهيم الجبريين، ومذهب الجبريين مذهب فاسد استغله "سيادة" الناقد هنا، ليظهر أن الصفات الإلهية في مفاهيم المسلمين قد تتناقض، وأن المسلمين يقبلون فيها هذا التناقض، ثم ليتخذ كل ذريعة لنقض قضية الإيمان من أساسها.

لقد أوضحنا فيما سبق أن المشيئة الإلهية لا تتناقض مع نفسها بحال من الأحوال، فلا يمكن أن تتوجه مشيئتان متناقضتان لشيء واحد في وقت واحد. فإذ تتوجه المشيئة الإلهية لإيجاد الكون في وقت معين، يستحيل عقلاً وواقعاً أن تتوجَّه هذه المشيئة نفسها لعدم إيجاد الكون في ذلك الوقت، والمشيئة النافذة هي المشيئة وغير النافذة ليست بمشيئة.

وإذ تتوجه المشيئة الإلهية لمنح الإنسان حرية الإرادة في اختيار سبيله في الحياة، يستحيل عقلاً وواقعاً أن تتوجه هذه المشيئة لسلب هذا الإنسان حرية الإرادة، وجعله مجبراً على اختيار سبيله في الحياة.

وهكذا في كل مشيئة كلية وجزئية، ولكن لا بد من ملاحظة ضوابط التناقض المنطقية، حتى يتحقق الامتناع العقلي، وتتحقق الاستحالة المذكورة، وذلك بأن يتوارد السلب والإيجاب على حكم اتحد فيه الموضوع والمحمول والزمان والمكان وسائر الوحدات المنطقية التي لها صلة أساسية في وحدة الموضوع والمحمول، وحين ينعدم هذا الاتحاد يسقط التناقض أصلاً.

وذلك كأن نقول: الإنسان ممنوح حرية الإرادة في أعماله التي يعتبر مسؤولاً عنها، مسلوب حرية الإرادة في أعماله غير الإرادية التي لا يعتبر مسؤولاً عنها، كالرعشات، وحركاته وهو نائم وما يجري فيه من تغيرات وتطورات حياتية لا تتحكم إرادته بها، فهذا ليس بتناقض لأنه لم يتوارد السلب والإيجاب على متَّحد الوحدات المنطقية.

ومعلوم في الأوليات المنطقية أنه متى انفكَّت الجهة واختلَّت ضوابط الوحدة انحلَّ التناقض.

ولنفي الرأي الجبري، وإثبات أن الله منح الإنسان حرية الإرادة في كل

<<  <   >  >>