للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أعماله الإرادية التي يعتبر مسؤولاً عنها ومحاسباً عليها، وفي كل وجوده نشاطه الذي هو ساحة تكليفه في الحياة، وساحة اختباره وامتحانه، تتضح لنا الأدلة التالية:

أولاً: كل مخلوق يوضع موضع الامتحان فلا بد أن يكون حر الاختيار بين أكثر من طريق أو أكثر من عمل وإلا لم يكن للامتحان مغزى، وكان عبثاً من العبث، ولا يفعل هذا عالم حكيم.

ثانياً: يستحيل عقلاً أن يتوجه أمر التكليف الإلهي لكائن لا يملك في نفسه القدرة على اختيار الطاعة، وذلك لأن الله جلَّ وعلا حكيم، ولا يوجه أوامر التكليف لمجرد العبث، إنه تعالى منزَّه عن العبث.

ثالثاً: ثبت في النصوص القاطعة أن الله لا يكلِّف نفساً إلا وسعها، ولا يكلِّف نفساً إلا ما آتاها، ومن لا يملك حرية الإرادة في اختيار عمله لا يكون هذا الاختيار من وسعه، ولا يكون هذا الاختيار مما آتاه الله، فالله لا يكلِّفه لو كان كذلك.

ولما ورد التكليف علمنا أن هذا الاختيار من وسعه ومما آتاه الله إياه، فسقط ادعاء الإجبار.

رابعاً: ليس من العدل ولا من الحكمة أن يؤاخذ الله مخلوقاً على عمل لم يكن هذا العمل مظهراً من مظاهر اختيار المخلوق وإرادته، ولذلك نلاحظ في النصوص الدينية أن المؤاخذة والجزاء مقرونان بالأعمال الإرادية، ومتى سلبت الإرادة عن عمل من الأعمال ارتفع التكليف، وارتفعت المسؤولية.

وقواطع النصوص تبين هذه الحقائق.

منها قول الله تعالى في سورة (البقرة/٢ مصحف/٨٧ نزول) :

{لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغْوِ فِي? أَيْمَانِكُمْ وَلَاكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ}

أي: يؤاخذكم بما حلفتم من أيمان ناتجة عن كسب قلوبكم، وكسب القلوب هو توجه الإرادة، فارتفعت المؤاخذة عما كان من لغو الألسنة ولم يكن من كسب القلوب.

<<  <   >  >>