للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلما رفع السماط ووضع للبسط بساط قال لضيفه الصديق عندنا قارورة من الشراب العتيق كنت ادخرته لنزلك وأعددته لمثلك وما عندي سواها فإن رأيت أحضرناها وتعاطينا الراح لطلب الانشراح فإنها مادة الأفراح كما قيل:

وما بقيت من اللذات إلا ... أحاديث الكرام على المدام

فسمع الضيف مقاله وتحمل جميلته ودعا له وأجاب سؤاله فأشار المضيف المفضل إلى ولده الأحوال وقال اذهب إلى المقصورة فإن هناك قارورة وإياك أن تنكسر فإن صدع الزجاج لا يجبر وما بناها ضيرها ولكن ما عندنا غيرها فتوجه إلى ذلك المكان فتراءى له قارورتان فرجع من وقته ونادى لمقته أيها الأب المفيد هناك قارورتان فإليهما تريد فخجل من ضيفه وغضب لئلا ينسب إلى اللؤم والكذب فقال لابنه يا ابن البظرا اكسرا حداهما وهات الأخرى فاخذا العصا وعبر وضرب أحد ما كان تراء للبصر فلم يكن غير وعاء واحد وقد انكسر فخرج إلى أبيه وهو من الفكر في تيه وقال امتثلت ما أمرت وأخذت العصا وضربت فانكسرت إحدى القارورتين ولا أدري الأخرى ذهبت إلى أين فقال يا بني إن الخطأ منك واليك والخطأ في ذلك كان من نظر عينيك وإنما أوردت هذا المقول لتعلم أيها الغول المهول أن أقوى طرق العلم العين وإذا حصل في إدراكها الخلل والشين تراءى الصدق بصورة المين والشيء الواحد بشكل اثنين وهذا أمر محسوس لا تنكره النفوس فكيف ترى تكون عين الفكر المصون وهي بأنواع الحجب محجوبة وبتخيلات الوهم وقضاياه مشوبة ومرآتها إنما هي المعاني دون المحسوسة المشاهدة المباني

<<  <   >  >>