للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فاعلم أن هذا الملك ذو جناب منيع وقدر رفيع وبيان معانيه بديع عزير المنال جامع لصفتي الجمال والجلال قد اختار العزلة في رؤس الجبال فلذلك طبعه لا يخلو من جساوة وقلبه من قساوة وأن غذاءه من اللحوم ومن الحيوانات مشروبه والمطعوم مخاليبه كالاسل ويلجأ إلى الله تعالى إذا نسر منقاره ونسل وحقيقة أمره أن كنت عنه تسل:

ممقر مر على أعدائه ... وعلى الأدنين حلو كالعسل

فإذا التجأ إليه فقير أو آوى إليه ضعاف أو كسير أو قصده محتاج أو سلك إلى باب مرضاته منهاج فلا يمكن ألطف منه ولا أشفق ولا أقرب من عطفه على مؤمليه ولا أرفق فهو كما قيل (بيض قطاً يحضنه أجدل) وسبب ذلك أن ضميره المنير خال من المكر طاهر من التزوير لا يعرف ختلاً ولا خديعة ولا خيانة ولا وضيعة ولا كذباً ولا قطيعة ولا في خاطره فساد ولا عنده سوء اعتقاد ولا يعرف غير الحق ولا يقول إلا الصدق وذلك لبعده من مخالطة الناس وعزلته عن كل ذي وسواس وخناس فلقد اتفق العالم أن صحبة بني آدم سم قاتل وهم باتل فان دأبهم المكر والتلبيس والخداع والتدليس وحسبك قول شاعرهم في كشف ضمائرهم وشرح حقيقة سرائرهم:

صن من الناس جانباً ... كي يظنون راهباً

قلب الناس كيف شئ؟ ... ت نجدهم عقارباً

<<  <   >  >>