للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجواب الواقعي يقول: إن الوسائل الإنسانية كلها لم تصل حتى الآن إلى رصْدِ كل ما في هذا الكون، ولا إلى إدراك جميع ما فيه، فما هو غيب عن الناس أكثر مما هو مشهود لهم.

والجواب الواقعي يقول أيضاً: إن للإدراك الإنساني بُعداً لا يستطيع تجاوزه، وإن لهذا الإدراك حدوداً هو عاجزٌ عن اختراقها.

وتحديد البُعد الإدراكي لنظرية "لا فوازييه" يتلخص بأن النظرية قد اعتمدت على ملاحظة عالم الشهادة من الكون المدرك بالحواس الإنسانية ووسائلها. أما عالم الغيب الذي لا تصل إليه الإدراكات الإنسانية المباشرة أو عن طريق الأجهزة والوسائل، فهو عالم خارج بطبيعته عن مجال النظرية.

لذلك فإن هذه النظرية لا تستطيع أن تحكم على ما هو غيب عن الإدراك الإنساني من هذا الكون، إذ حكمها عليه هو من قبيل الحكم على الغائب المجهول في ذاته وفي صفاته.

وعالم الغيب لا يصح الحكم عليه إلا بموجب الأحكام الشاملة عقلاً لعالم الشهادة وعالم الغيب معاً.

فجلّ ما تستطيعه النظريّات بالنسبة إلى عالم الغيب: هو أن تعلّق أحكامها تعليقاً كليّاً، أو تصدر أحكاماً مشروطة احتمالية غير جازمة، وهذا هو ما توجبه الدراسة العلمية المنطقية الحيادية، وتوجبه الأمانة الفكرية في البحث الجاد عن المعرفة والحقيقة.

* * *

الخلاصة

من التحليل السابق ظهر لنا تماماً أن نظرية "لا فوازييه" لم تتناول من الكون إلا مقطعاً محدود الأبعاد الثلاثة: (البعد الزماني، والبعد المكاني، والبعد الإدراكي) وهذا المقطع المحدود هو مجال ملاحظتها.

يضاف إلى كل ذلك أن وجود الحياة في المادة لم يقترِنْ بأي دليل

<<  <   >  >>