للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذكرتُ بيتينِ للأبيورديِّ عن تواريهِ، يقولُ:

تستَّرْتُ مِن دهري بظِلِّ جناحِهِ ... فعيني ترى دهري وليس يراني

فلو تسألِ الأيام عنُي ما دَرَتْ ... وأين مكاني ما عرفت مكاني

هذا القارئُ الأديبُ اللامعُ الفصيحُ الصَّادِقُ، أبو عمرو بنُ العلاءِ، يقولُ عن مُعاناتِه في حالة الاختبار: «أخافني الحجَّاجُ فهربتُ إلى اليمن، فولجتُ في بيتٍ بصنعاء، فكنتُ من الغدواتِ على سطحِ ذلك البيتِ، إذْ سمعتُ رجلاً يُنشدُ:

رُبَّما تجزعُ النُّفوسُ من الأمـ ... ـرِ لهُ فُرْجَةٌ كحلِّ العِقالِ

قال: فقلتُ: فُرْجةٌ. قال: فسُررتُ بها. قال: وقالَ آخرَ: مات الحجّاجُ. قال: فواللهِ ما أدري بأيِّهما كنتُ أُسَرُّ، بقولهِ: فرْجةٌ. أو بقولِه: مات الحجّاجُ» .

إنَّ القرار الوحيد النافذ، عند من بيده ملكوتُ السماواتِ والأرضِ {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} .

توارى الحسنُ البصريُّ عنِ عين الحجَّاج، فجاءه الخبرُ بموتِهِ، فسجد شكراً اللهِ.

سبحان اللهِ الذي مايز بين خلْقِه، بعضُهم يموتُ، فيُسجدُ غيْرُهُ للشُّكر فرحاً وسروراً {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} . وآخرون يموتون، فتتحوَّلُ البيوتُ إلى مآتِم، وتقرحُ الأجفانُ، وتُطعنُ بموتهم القلوبُ في سويدائِها.

<<  <   >  >>