للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فرأى الدنيا جميلةً كما خُلقتْ، وإلاَّ تغبَّشَ منظارُه، واسودَّ زجاجُه، فرأى كلَّ شيء أسود مغبشاً.

هناك نفوسٌ تستطيعُ أن تصنع من كلِّ شيء شقاًء، ونفوسٌ تستطيع أن تصنع من كلِّ شيءٍ سعادةً، هناك المرأةُ في البيتِ لا تقعُ عينُها إلا على الخطأ، فاليومُ أسودُ، لأنَّ طبقاً كُسِر، ولأن نوعاً من الطعامِ زاد الطاهي في مِلْحِه، أو لأنها عثرتْ على قطعةٍ من الورقِ في الحجرةِ، فتهيجُ وتسبُّ، ويتعدَّى السبابُ إلى كلِّ منْ في البيتِ، وإذا هو شعلةٌ من نارِ، وهناك رجلٌ ينغِّصُ على نفسِه وعلى مَنْ حوله، مِن كلمةٍ يسمعُها أو يؤوِّلها تأويلاً سيِّئاً، أو مِنْ عملٍ تافِهٍ حدثَ له، أو حدثَ منه، أو من رِبْحٍ خسِرهُ، أو منْ رِبْحٍ كان ينتظرُه فلم يحدثُ، أو نحو ذلك، فإذا الدنيا كلُّها سوداءُ في نظرِه، ثم هو يسوِّدُها على منْ حوله. هؤلاء عندهمْ قدرةٌ على المبالغةِ في الشرِّ، فيجعلون من الحبَّةِ قُبَّةً، ومن البذرةِ شجرةً، وليس عندهمْ قدرةٌ على الخيرِ، فلا يفرحون بما أُوتوا ولو كثيراً، ولا ينعمون بما نالوا ولو عظيماً.

الحياةُ فنٌّ، وفنٌّ يُتَعلَّمُ، ولخيرٌ للإنسانِ أن يَجِدَّ في وضعِ الأزهارِ والرياحينِ والحُبِّ في حياتهِ، من أن يجدَّ في تكديسِ المالِ في جيبهِ أو في مصرفِه. ما الحياةُ إذا وُجِّهتْ كلُّ الجهودِ فيها لجمعِ المالِ، ولم يُوجَّهْ أيُّ جهدٍ لترقيةِ جانب الرحمةِ والحبِّ فيها والجمالِ؟!

أكثرُ الناسِ لا يفتحون أعينهُمْ لمباهجِ الحياةِ، وإنما يفتحونها للدرهمِ والدينارِ، يمرُّون على الحديقةِ الغنَّاءِ، والأزهارِ الجميلةِ، والماءِ المتدفِّقِ،

<<  <   >  >>