للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقُدِّمَ رجالُهم للمعركةِ فكانوا يأتونَ الموتَ كأنهمْ في نزهةٍ، او في ليلة عيدٍ؛ لأنهمْ أحبوه كلَّ الحبِّ.

يُرْسَلُ أحدُهمْ برسالةٍ ويَعْلمُ أنه لنْ يعودَ بعدها إلى الدنيا، فيؤدّي رسالتَه، ويُبعَثُ الواحدُ منهمْ في مهمَّةٍ ويعلمُ أنها النهايةُ فيذهبُ راضياً؛ لأنهمْ أحبوه كلَّ الحبَّ.

ولكنْ لماذا أحبُّوه وسعِدُوا برسالتِه، واطمأنُّوا المنهجهِ، واستبشرُوا بقدومهِ، ونسوا كلَّ ألمٍ وكلَّ مشقةٍ وجُهدٍ ومعاناةٍ من أجلِ اتباعِهِ؟!

إنهمْ رأوا فيهِ كلَّ معاني الخيرِ والفرحِ، وكلَّ علاماتِ البرِّ والحقِّ، لقدْ كانَ آيةً للسائلين في معالي الأمورِ، لقدْ أَبردَ غليلَ قلوبِهِمْ بحنانِهِ، وأثلجَ صدورَهمْ بحديثهِ، وأفْعَمَ أرواحَهُمْ برسالتِه.

لقدْ سكبَ في قلوبهمُ الرضا، فما حسبوا للآلام في سبيلِ دعوتهِ حساباً، وأفاضَ على نفوسِهِمْ منَ اليقينِ ما أنساهمْ كلَّ جُرْحٍ وكَدَرٍ وتنغيصٍ.

صَقَلَ ضمائرَهم بهداهُ، وأنارَ بصائرَهم بسناهُ، ألقى عن كواهِلهمْ آصارَ الجاهليةِ، وحطَّ عن ظهورِهم أوزارَ الوثنيةِ، وخلعَ من رقابِهمْ تبعاتِ الشركِ والضلالِ، وأطفأ من أرواحِهمْ نارَ الحقدِ والعداوةِ، وصبَّ على المشاعرِ ماءَ اليقين، فهدأتْ نفوسُهمْ، وسكنَتْ أبدانُهُمْ، واطمأنتْ قلوبُهم، وبردتْ أعصابُهم.

وجدوا لذَّةُ العيشِ معهُ، والأنسَ في قربهِ، والرضا في رحابِهِ، والأمنَ في اتباعهِ، والنجاة في امتثالِ أمرِهِ، والغِنى في الاقتداء به.

<<  <   >  >>