للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

معنى الكلام الذى ورد فى الآيات والأحاديث عن أوصاف اللَّه، فقد ادعى الخلف من الأشعرية أن مذهب السلف هو تفويض معانى هذه النصوص إلى اللَّه حتى قال قائلهم:

... وكل نص أوهم التشبيه: أوِّله أو فوِّض ورم تنزيها

... ثم يقول فى صفة المجئ والنزول: (فالسلف

يقولون مجيء ونزول لا نعلمه) (١) وقال شيخهم أبو المعالى الجوينى: (وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الرب سبحانه) (٢) ثم يستدلون بما ثبت عن مالك بن أنس أن رجلا جاءه وقال له: يا أبا عبد اللَّه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟! فغضب مالك غضبا شديا ثم قال: (الاستوء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة فإنى أخاف أن تكون ضالا وأمر به فأخرج) (١) والحقيقة أنهم لم يفهموا قول مالك ولا يصلح دليلا لهم على تفويض المعنى، لأنه فرق فى جوابه بين معنى الاستواء على العرش أو معنى الصفات بوجه عام وبين كيفية الاستواء على العرش أو كيفية الصفات بوجه عام فالمعنى الوارد فى النصوص معلوم لأن العقل يستوعب معنى الكلام العربى، أما الكيفية فلا يمكن التعبير عنها لا بكلام العرب ولا بكلام العجم ولما غضب مالك على السائل غضب لأنه جاء يسأله عن كيفية الاستواء الغيبية التى تخرج عن جهاز الإدراك البشرى عند الإنسان، فكيف سيجيبه؟ وهل سيخترع له جوابا يصف فيه الكيفية التى عليها استواء اللَّه على العرش والإمام مالك يعلم أن ذلك قول على اللَّه بلا علم؟ فالسائل إذا مبتدع.

أما لو جاء السائل مالكا يسأله عن معنى الاستواء فى لغة العرب التى خاطبنا


(١) انظر كتاب تحفة المريد على جوهرة التوحيد، طبعة المعاهد الأزهرية ص١٠٩.
(٢) العقيدة النظامية، مطبعة الأنوار القاهرة سنة ١٩٤٨م ص٢٣.
(٣) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ص١٧٧.

<<  <   >  >>