للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشترط في ذلك طاعة معصوم آخر، ومن عصى الرسول كان من أهل الوعيد وإن قدر أنه أطاع من ظن أنه معصوم.

وقد اتفق أهل العلم أهل الكتاب والسنة على أن كل شخص - سوى الرسول - فإنه يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يجب تصديقه في كل ما أخبر، واتباعه فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع فإنه المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى (١) .

والسنة المطهرة دلت على ذلك، ولكنهم - كما سلف - لا يرجعون إلا إلى أقوال أئمتهم، وإليك ما ينقض مذهبهم من أقوالهم:

جاء في نهج البلاغة - الذي لا تشك الشيعة في كلمة منه - ما يهدم كل ما بنوه من دعاوى في عصمة الأئمة؛ حيث قال أمير المؤمنين - كما يروي صاحب النهج -: "لا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي، ولا التماس إعظام النفس، فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق، أو مشهورة بعد، فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي" (٢) .

فأمير المؤمنين يطلب من أصحابه ألا يترددوا في إبداء النصيحة والمشورة، ولا يمنعهم من ذلك المجاملة والمصانعة، أو أن يظن به أنه لا يقبل الحق إذا قيل له، استثقالاً له وتعظيمًا لنفسه، فإن الحكم الذي لا يقبل مشورة الرعية ولا يرضى أن يقال له: أخطأت هو عن العمل بالحق والعدل أبعد؛ لأن من يثقله استماع النصيحة فهو عن العمل بها أعجز، فلا تكفوا عن مقالة بحق ولا مشورة بعدل فالجماعة أقرب إلى الحق والعصمة، والفرد لا يأمن على نفسه الوقوع في الخطأ.

فهو هنا لم يدّع ما تزعم الشيعة فيه من أنه لا يخطئ بل أكد أنه لا يأمن على نفسه من الخطأ، كما لم يعلن استغناءه


(١) منهاج السنة: ٣/١٧٥
(٢) نهج البلاغة: ص٣٣٥

<<  <  ج: ص:  >  >>