للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما شاء الله تعالى إما في بدن واحد، وإما متفرقة في تلك الأبدان، (١) ثم إذا حوسب أول إنسان من أصحاب تلك الأبدان جمعت تلك الأجزاء في بدنه ثم إذا أدت الشهادة فارقته إلى بدن أول من يحاسب بعده من أصحاب تلك الأبدان وهكذا حتى تستوفي تلك الأبدان كلها التي دخلت فيها وقضت الحكمة باستشهادها على أصحابها. وقد يشير إلى هذا قوله تبارك وتعالى: «يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ» الانبياء: ١٠٤ وقوله سبحانه: «كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ» الأعراف: ٢٩.

وأما الجزء الجسماني فمن الحكمة فيه تنعيم الأرواح وتعذيبها بما هو من جنس ما ألفته في الدنيا بواسطة الأبدان، فإن الأرواح لطول صحبتها للأبدان واعتيادها اللذات والآلام التي تصل إليها بواسطتها تبقى بعد مفارقة الأبدان متصورة تلك اللذات والآلام، متشوقة إلى جنس تلك اللذات، نافرة عن جنس تلك الآلام، فإذا أعيدت إلى أبدان ثم نعمت بما هو من جنس اللذات التي ألفتها، كان ذلك أكمل للذتها وأتم لنعيمها من أن تنعم بلذات روحية محضة فكيف إذا جمع لها الأمران معاً (٢) وإن أعيد إلى أعيدت إلى أبدان ثم عذبت بما هو من جنس الآلام التي كانت تنفر عنها كان ذلك أبلغ في إيلامها من أن تعذب بآلام روحية محضة فكيف إذا جمع لها الأمران (٢) .


(١) تكلف المؤلف القول بحشر أجزاء كل بدن في بدن واحد أو في أبدان متعددة وما يلي ذلك من أدائها شهادتها في بدن واحد أو أبدان متعددة هو النظر المتعمق فيه الذي ذمه المؤلف كثيراً وذكر ما نشأ عنه من مفاسد وشبهات أبعدت المتكلمين عن تصديق الكتاب والسنة فما كان أحراه أن يبتعد عما ذم غيره عليه وخير ما قاله سابقاً أن البدن آلة الروح يحي هذا الإشكال ولا حاجة إلى التعمق، قلت أنا أن البدن مطية الشخصية الإنسانية وثيابها وما أبلغ أن يشهد على الإنسان مطيته وثيابه قديمة أو جديدة لبسها غيره قبله أو اختص هو بلبسها، الحجة قائمة في شاهد عليك منك. والله أعلم. م ع
(٢) أي فإن ذلك أكمل وأكمل، وذلك هو الواقع. المؤلف

<<  <   >  >>