للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو معنى القيام بالنفس، وهذه من أجلى البديهيات. وذكروا أن بعضهم أو رد هذا على أبي إسحاق الإسفرائني (١) ففر إلى قوله: إنما أعني بقولي: قائم بنفسه، أنه غير قائم بغيره. وهذا عجب! فإنه إذا كان موجوداً والموجود إما قائم بنفسه، وإما قائم بغيره، فقوله: «غير قائم بغيره» ، إنما حاصله أنه قايم بنفسه، فحاصل جوابه إنما يعني بقوله " قايم بنفسه، أنه قيم بنفسه!

أقام يُعْمِلُ أياماً رَوَّيته ... وشبَّه الماء بعد الجهد بالماء

الرابعة: في عبارة الغزالي ذكر قضية الخلاء والملأ، فالفلاسفة ومن تبعهم قولون: إنه ليس وراء العالم خلاء ولا ملأ، والعقول الفطرية تنكر ذلك، وأو رد عليهم أنا إذا فرضنا إنساناً على طرف العالم فمد يده إلى خارجه فإن امتدت فثم خلاء، وإلا فثم ملأ، فأجابوا باختيار أنها لا تمتد، ولكن لا لوجود ملأ، بل لعدم شرط الامتداد وهو الخلاء.

أقول: وهذه القضية قريبة من سابقتها. فإن الفطر قاضية بأن الخلاء والملأ إذا فقد أحدهما وجد الآخر، وعلى هذا ففقد الخلاء ومعناه وجود الملأ.

الخامسة: مذهب المتكلمين أن الخلاء أمر عدمي، والأعدام قديمة، واستدل الفلاسفة على أنه أمر وجودي بأنه يشار إليه ويتقدر، ومما دفع أنهم يقولون: ليس وراء العالم خلاء ولا ملأ، فلنفرض أن الله عز وجل خلق وراء العالم جدراناً وخلق لها خلاء (٢) تقوم فيه وتكون بحيث يأتلف منها مربع ويبقى جوفه على ما كان عليه، فإن ذاك الجوف يكون مشاراً إليه متقدراً، ومع أنه بات على ما كان


(١) كذا الأصل بالهمزة بين الألف والنون، والصواب (الإسفرايني) بالياء المكسورة كما في كتب الأنساب. وقال السيوطي: قلت «بلا همزة» . ونحوه في «معجم البلدان» إلا أنه زاد في ضبطها ياء أخرى ساكنة. يعني (الإسفراييني) . ن.
(٢) أي بناء على زعم أن الخلاء أمر وجودي. المؤلف.

<<  <   >  >>