للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما النظر بالعقل العادي فقد له الشرائع، وبنت عليه التكليف، ودعت إليه وحضت عليه، وعلماء المعقول مصرحون بأن الدليل العقلي كلما كان أقرب مدركاً وأسهل تناولاً وأظهر عند العقل كان أجدر بأن يوثق به.

ولا ريب أنه يخشى قصور العقل العادي في بعض المطالب، لكن ذلك فيما ليس مطلوباً

شرعاً فأما المطلوب شرعاً فإن الله تعالى أعد العقول العادية لإدراكه، وأعد لها ما يسددها فيه من الفطرة والآيات الظاهرة في الآفاق الظاهرة والأنفس، ثم أكمل ذلك بالشرع، فإذا انقاد العقل العادي للشرع وامتثل هداه واستضاء بنوره فقد أمن ما يخشى من قصوره.

وأما المأخذ الثاني وهو الشرع، فما عسى أن يقال فيه، وإنما هو كلام الله عز وجل وكلام رسوله، لا يخشى فيه ولا خطأ، وكذب، ولا تلبيس، ولا تقصير في البيان «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد» (١) .

هذا، والله سبحانه إنما خلق الناس ليكملوا بعبادته كما أمر في المقدمة، وهو سبحانه الحكيم العليم القدير، فلابد أن يكون خلقهم على الهيئة التي ترشحهم لمعرفته ومعرفة ما فرض عليهم الإيمان به، لأن ذلك رأس العبادة وأساسها، ولا نزاع أن الميسر لهم قبل الشرع هو المأخذ الأول، فلابد أن يكون فيه ما يغني يما ثبت به الشرع بعد تنبيه الشرع، ثم يكون فيه وفي الشرع ما يكفي لتحصيل القدر المطلوب منهم، ويؤكد هذا أن تحصيل الدرجة التي يعتد بها في النظر العقلي المتعمق جداً، قال ابن سينا كما في (مختصر الصواعق) (٢) ١ / ٢٤٣ «فإن المبرزين المنفقين أيامهم ولياليهم وساعات عمرهم على تثقيف أذهانهم وتذكيه إفهامهم وترشيح نفوسهم لسرعة الوقوف على


(١) فصلت (٤٢) .
(٢) الصواعق للإمام ابن قيم الجوزية تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى ورضى عنهم. محمد عبد الرزاق

<<  <   >  >>